أضيف بتاريخ: 24 - 08 - 2017
أضيف بتاريخ: 24 - 08 - 2017
بات من الواضح ان ما يحدث في ليبيا منذ أحداث فبراير وثورة هنري ليفي أشبه ما يكون ببركان يفور داخل ليبيا انطلاقا من طرابلس ويلقي بحممه وصخوره الملتهبة نحو دول الطوق أو دول الجوار. وإن كانت الحدود الشرقية لليبيا والغربية منها تعتبر منيعة على النقيض من الحدود الجنوبية مع جمهورية التشاد والممتدة ل 600 ميل وما يعرف بقطاع أوزو الذي طالما كان موضوع صراع بين ليبيا التي تطالب بهذا القطاع طبقا للاتفاقية الايطالية الفرنسية سنة 1935 وجمهورية التشاد التي حكمت لصالحها المحكمة الدولية سنة 1994 بحيازتها للإقليم، فإن هذا لم يمنع الشريط الشمالي لجمهورية التشاد من أن يكون مسرحا لنشاط ما يسمى المعارضة التشادية المسلحة وخاصة الجماعات الاسلاموية وأساسا حركة العدل و المساواة.
وقد مثلت الأحداث الأليمة التي شهدتها ليبيا في السنوات الأخيرة الفرصة المناسبة للجماعات المسلحة التشادية لتكثيف نشاطها على طول الخط الحدودي مع ليبيا وصولا إلى شمال مالي خاصة مع عقدها لشركات مع الجماعات المسلحة التي كانت إحدى ثمار ما يسمى الربيع العربي ومشاركتها نشاطاتها الإرهابية كسرايا الدفاع عن بنغازي وتنظيم القاعدة وغيرهما ورغم أن نفس هذه الجماعات المعارضة وقعت اتفاقية مع الحكومة المركزية في نجامينا من أجل تحقيق السلام في جمهورية التشاد. طالبت جماعات المعارضة حينها حضور قطر كضامن لعملية السلام تحت عنوان الضمانات الدولية والاقليمية لإحقاق السلام، هذا السلام الذي لم تنعم به جمهورية التشاد طويلا. ففي شهر مارس من سنة 2013 أعلن ما يسمى باتحاد قوى المقاومة، حركة التمرد التشادى الكبيرة التي أوقفت القتال بعد اتفاقات السلام الموقعة بين تشاد والسودان فى 2009، استئناف التمرد المسلح “ضد الرئيس ادريس ديبى، وقال تيمان ارديمى، أحد أهم شخصيات التمرد من مقر إقامته فى الدوحة “قررنا استئناف النضال، النضال المسلح بالتأكيد. و من ثم اتخذت بعض فصائل المعارضة التشادية المسلحة من الأراضي الليبية منطلقًا لتحركاتها تحت غطاء قطري، حيث اتجهت تلك الفصائل للتحالف الميداني مع الميلشيات الليبية المسلحة المدعومة من الدوحة وهو ما كشفه قادة هذه الفصائل المعارضة أنفسهم عبر اعترافات بثها التلفزيون الرسمي التشادي في شهر أفريل من هذا العام بعد أن قرر كل من يوسف كلوتو ومحمد حامد العودة إلى حضن الدولة التشادية وكشف كلوتو خلال حديثه أنه ورفاقه المسلحين في المعارضة اتفقوا على القتال ضد تنظيم داعش ليكتشفوا أنهم يقاتلون كمرتزقة ضد طرف ليبي آخر في قضية غير واضحة لهم، في إشارة إلى تورطهم في القتال ضد الجيش الوطني الليبي الذي تناصبه الدوحة العداء.
ولأن الحدود الليبية التشادية لم يكن الهاجس الوحيد لجمهورية التشاد، فبالإضافة إلى ذلك فإن جماعات بوكو حرام الناشطة جنوبا في كل من النيجر ونيجيريا قضت على 40 بالمئة من ميزان التبادل التجاري بين نجامينا وجيرانها في الجنوب، دون نسيان منطقة الساحل والصحراء الملتهبة أين بدأت حركة “أزواد” الانفصالية في التحالف مع جماعة بوكو حرام وتنظيم القاعدة في ليبيا الذي نجح في ضم جماعات كبيرة من المعارضة التشادية والتي بدورها قامت بدعم الجماعات المقاتلة في مالي بالسلاح والأموال، وتحويل المجهود الحربي للتنظيم في ليبيا لهذا الدعم .ما مكنهم من الوصول إلى العاصمة المالية باماكو، وهو ما دفع بالرئيس ادريس ديبي إلى الإنضمام للحملة التي تشنها فرنسا وحلفاؤها الأفارقة على المتشددين الاسلامويين في شمال مالي، فدفع بقوات النخبة التشادية التي يقودها الجنرال محمد إدريس ديبي إتنو، نجل الرئيس التشادي إدريس ديبي و قوامها ألف جندي باتجاه الجبال شمال شرقي مالي.
قامت هذه القوات انطلاقا من منطقة كيدال بمهاجمة مخابئ المتشددين في سلسلة جبال إدرار أفوغاس على الحدود بين مالي والجزائر. وفي نفس الوقت قامت بمهاجمة المعارضة التشادية في جبال تيبستي، التي بدأت تنشط عسكرياً بعد حصولها على الأسلحة والذخائر من ليبيا وعن طريق تجار الحروب أو الموالين لها في ليبيا، وخصوصاً في مناطق الجنوب الغربي الليبي، بعد أن وجدت الدعم من سلطات طرابلس السابقة المرتبطة بدولة قطر، و التي قامت بفتح معسكرات لإيواء وتدريب المعارضين التشاديين والمرتزقة منهم. هذا الهجوم دفع بالمعارضة التشادية إلى التوغل بكامل عتادها ورجالها داخل الأراضي الليبية. ولكل هذا وغيره لم يكن قرار نظام نجامينا بقطع العلاقات مع دولة قطر وليد اللحظة وأننا يبدو أن سلطات نجامينا تمتعت طويلا بضبط النفس أو ان الحالة الاقليمية والدولية لم تكن مساعدة لاتخاذ هذا القرار سابقا، و ما أن تفرقت السبل بحلفاء الأمس في مجلس التعاون الخليجي إثر فشل حلم بسط النفوذ والهيمنة على كل الجغرافيا العربية عبر التسلط على مراكز صنع القرار فيها و بيع وهم الثورات والانتقال إلى الديمقراطية لشعوبها، عجل بإبانة الغيظ الذي كظم في الأنفس طويلا.
الأكيد ان انهيار حلم إسقاط النظام في سوريا و بيع الدولة السورية لقوى الجريمة والارهاب كان الضربة القاصمة التي حولت الحلم الخليجي إلى كابوس استيقظت منه أنظمة الرمل ممسكة بتلابيب بعضها البعض، ولن تلبث ساعة الحساب أن تدق سريعا بعد أن نطق الميدان بحكمه فأنصف رجاله وأخزى مناضلي الفنادق واروقة السفارات. ولأن حكم التاريخ واحد فإن غد ليبيا لناظره قريب.
بلحسن اليحياوي