أضيف بتاريخ: 23 - 08 - 2017
أضيف بتاريخ: 23 - 08 - 2017
مقدمة:
هنالك في الآونة الأخيرة أسماء لمجموعات إرهابية تكفيرية متشددة متداولة، انتشرت منذ انشاء القاعدة في أفغانستان وتكاثرت مع بدء الأزمة في سوريا والعراق، عشرات وربما مئات من التنظيمات الإرهابية المتشددة تنشط في ميادين القتال في سوريا منذ ثلاثة أعوام. فمنها ما تملأ مسمياتها الدنيا صخبا وضجيجا كداعش أو جبهة النصرة ومنها ما هو أقل شهرة. فجأة ووسط هذا الضجيج يعلن عن تنظيم جديد أخطر من كل التنظيمات ويشكل تهديدا كبيرا وفعليا على الأمن العالمي. خراسان.. لم يسمع به أحد من قبل. تنظيم إرهابي يجند المقاتلين الأجانب في سوريا لضرب المصالح الأمريكية والأوروبية زعموا. وذلك بالتنسيق مع خبراء القاعدة في المتفجرات باليمن وفق روايات أمريكية دعائية استخباراتية.
خراسان .. إسم يبدو أنه اختير بدقة.. فهل له أبعاده الجغرافية والإستراتيجية؟، أي هل ثمة محاولات لربط خراسان أي إيران بإرهاب القاعدة وداعش والنصرة في سوريا. وإذا كان البعض يفكر في هذا الإتجاه فهل يعني هذا الرغبة أو التمهيد لتوسيع الضربات لتطال المصالح والنفوذ الإيرانيين في المنطقة وربما إيران ذاتها؟، أم أن تنظيم “خراسان” هو قنبلة إعلامية دخانية أو تغريدة استخباراتية يراد منها حشد ودعم الرأي العام الأمريكي للحرب الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط؟ إذ أن اسم خراسان، لم نسمعه من قبل حتى في تقارير الخبراء الأشد درايةً بالشأن السوري والحركات الإسلامية، فجأة يشكل التهديد الذي يفوق حتى القاعدة بالنسبة للأمن الأمريكي والأوروبي. وعلى ما يبدو فإن المفارقة كانت أن أمريکا هي أول من أعلن عن هذا التنظيم حتى قبل أن يعلن التنظيم عن نفسه. من حيث المبدأ، وحسب تقديري هناك بعض الوقائع والإحصاءات التي قدمتها أمريکا من خلال استخباراتها عن الشخصيات التي تقاتل في هذا التنظيم، الموجودين فيه بطبيعة الحال، ولكن الذي ليس هو موجود الإعلان عن اسم هذا التنظيم “خراسان” الذي يبعث في الحقيقة على ريبة كبيرة وتساؤل كبير حول اختيار هذا الإسم.
خراسان.. المرحلة الأخطر من القرن الحادي والعشرين:
إن استخدام هذا التنظيم من الناحية الإسمية “خراسان” هو أكثر تشددا وأكثر مواجهةً للخط المناهض لأمريكا الذي تقوده إيران، فهذا التنظيم كغيره من التنظيمات الإرهابية هو صناعة أمريكية إسرائيلية من أجل زيادة الشرخ بين المسلمين واستمرار وإدامة الحركة الجغرافية التكفيرية. فأمريكا من مدخل الإدارة الأمنية الإعلامية ومنطق البروباغندا تقوم بنوع من الهجمة الإعلامية لتوسيع هذا الخطر في المنطقة، فهم عندما كبّروا حجم القاعدة، استطاعوا أن يكبّروا في حجم وجودهم في أفغانستان والمنطقة.
وتعتبر جماعة “خراسان” الإرهابية من أخطر الجماعات التكفيرية في سوريا والعراق، فهي تنشق من تنظيم داعش الإرهابي وتضم عدداً كبيراً من الإرهابيين من أمريكا وأوروبا والدول الأفريقية، وقد اتخذت من سوريا والعراق ملاذاً آمناً لها بسبب الحرب الدائرة هناك. وفي الآونة الأخيرة وسعت جماعة خراسان أهدافها وهددت باستهداف الدول الغربية، وبحسب تقديرات مزاعمية استخباراتية أمريكية سرية فإن مسلحي خراسان يعملون مع صناع قنابل من فرع القاعدة في اليمن، وذلك لاختبار طرق جديدة لتمرير متفجرات من أمن المطارات. والخوف يكمن في أن يسلم مسلحو خراسان هذه المتفجرات المتطورة للمجندين الغربيين الذين قد يتمكنون من التسلل إلى الرحلات الجوية المتجهة إلى بلاد العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية.
مجموعة خراسان، هي مجموعة إرهابية من صنع الإستخبارات الأمريكية، تتكون من حوالي 50 من متشددي القاعدة المدربين تدريبا عاليا من أفغانستان وباكستان وشمال أفريقيا والشيشان. ويشير اسم خراسان إلى المنطقة التاريخية الكبيرة من أفغانستان وباكستان وتركمانستان وإيران. والغرض من تسمية خراسان هو جذب المزيد من الأعضاء والتبرعات من جميع أنحاء المنطقة. ويقوم الغرب بتسليط الضوء على أن بعض هذه المجموعة موجود في إيران، من أجل الربط بين إيران والمنظمات الإرهابية الموجودة في سوريا من أجل التمهيد لضرب المصالح الإيرانية في المنطقة. أما الواقع فينافي ذلك فهي تتواجد فقط في سوريا وفي بعض المناطق الأفغانية.
إذاً يبدو أن تنظيم خراسان هو بمثابة فقاعة إعلامية خطرة، ذو صناعة أمريكية، يراد منه دغدغة مشاعر الشعوب الإسلامية، وبالتالي التذكير بالفتوحات الإسلامية، تماماً كما فعل داعش وجبهة النصرة، لذلك هناك من يفكر في بعض مراكز البحوث الإستراتيجية دائماً في استراتيجية ما تريده أمريكا في الخارج من محاربة الإرهاب كما تزعم، وهي تعتمد على التاريخ الإسلامي، لذلك يكون هذا التنظيم المزعوم من أمريکا لم يأت من فراغ، وإنما هو من ضمن خطة لمرحلة قادمة تريد أن تحققها في المستقبل، وهي أرادت أن تمهد لها بدءاً من سوريا لأنها تعلم أنها لا تستطيع أن تمهد لها في إيران وروسيا، وأرادت قبل إعلان وفاة كلٍ من داعش وجبهة النصرة الإرهابيين أن تمهد لظهور هذا التنظيم الإرهابي الجديد من أجل إدامة دحرجة برميل الإرهاب في المنطقة العربية.
خراسان.. قصة الأكذوبة الأمريكية الجديدة:
بعد بدء التحالف الدولي ضرباته الجوية في سوريا، ظهرت تقارير إخبارية سرعان ما ألحقت بتصريحات رسمية من الكونغرس الأميركي عن أن الغارات الجويّة استهدفت مقرات تنظيم الدولة الإسلامية، وأخرى لجبهة النصرة، وقضت على مجموعة “خراسان” التي يتزعمها الكويتي محسن الفضيلي. قبل ذلك لم يسمع السوريون بمن فيهم المتابعون للحركات الجهادية بهذه المجموعة أبداً، كما أنها لم تدرج على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية والتي تخضع لتحديث بشكل دوري، وذلك على الرغم من أن تقارير استخباراتية عربية وغربية أيضًا لمحت في الأشهر الأخيرة إلى وجود مجموعة “إرهابية” موجودة في سوريا تستعد لشن هجمات على الولايات المتحدة الأميركية باستخدام متفجرات غير مصنوعة من المعادن لا تستطيع أجهزة التفتيش الموجودة في المطارات اكتشافها. وقتئذ شددت الولايات المتحدة رقابتها على الرحلات الجوية القادمة من بلدان عربية وأوروبية ولاسيما فرنسا لاعتقادها بأن إرهابيين يحملون جنسيات أوروبية قد ينفذون هذه الهجمات. كما تزامنت التكهنات والترجيحات السابقة مع تصريحات مفاجئة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال تسلمه أوراق اعتماد عدد من سفراء الدول في المملكة 30 أوت 2014، وطلب منهم أن يخبروا دولهم أن الإرهاب سيضرب أوروبا بعد شهر (أي في شهر أكتوبر) وأميركا بعد شهرين (أي في شهر نوفمبر).
تشير في الحقيقة كثير من التحليلات إلى أن الإستخبارات السعوديّة هي من كشفت على جماعة خرسان، وأن تحذيرات الملك عبد الله المدعمة بهذه التقارير هي من جعلت سوريا في قائمة أولويات أوباما لمواجهة تنظيم الدولة بعد أن كانت محصورة في العراق فقط، وعجلت في موعد بدء الضربات في سورية على الرغم من عدم وجود تحالف صلب، فكما هو واضح فإن التحالف الذي أعلن عنه لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا يضم إسميا ست دول فقط. أما عمليا فيضم ثلاث دول فقط تولت تنفيذ العمليات العسكرية الكبرى بوتيرة يومية (أميركا، السعودية، فرنسا).
ففي سيرة زعيم الجماعة محسن الفضيلي ما يوضح الدور السعودي الإستخباراتي في الكشف عن مجموعته، فالفضيلي اعتقل في السعودية مطلع العقد الماضي بتهمة الإنضمام لما كان يسمى “الأفغان العرب” ثم أطلق سراحه، ليعاد إدراجه في قائمة المطلوبين بالنسبة للإستخبارات السعودية والكويتية لارتباطه بمجموعة خططت لهجمات من ضمنها استهداف القواعد الأميركية الموجودة في الكويت. وجدير بالذكر أن محس الفضيلي، كويتي الجنسية، ينحدر من عائلة شيعية، اعتنق المذهب السني وانتسب لتنظيم القاعدة وهو من مواليد عام 1981. أما رواية الإستخبارات الأميركية، فركزت على النشاط المستجد للفضيلي لا على خلفيته، فقد أوردت صحيفة “نيويوك تايمز” في عددها الصادر بتاريخ24 سبتمبر 2014 أن الفضيلي وصل إلى شمال سوريا في عام 2013 قادما من باكستان بعد أن انتدبه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لتأسيس وتطوير خلية تابعة له في سوريا لشن هجمات على أوروبا والولايات المتحدة. وتعطي الإستخبارات الأميركية أهمية كبيرة لهذه المجموعة، فهي وبخلاف الجماعات الإرهابية الحالية تتجنب ما أمكن دائرة الضوء، وتعمل بسرية مطلقة، وتبتعد تماما عن أي وسيلة إعلامية، وليس لها حسابات في “تويتر” تعرض إنجازاتها وعملياتها. وبحسب الرواية ذاتها، فإن هذه المجموعة لم يكن لها أي تأثير عملياتي أو قتالي أكان في مواجهة قوات النظام، أو في المواجهات مع تنظيم الدولة، وأنها عملها انصب على تطوير قدرات منتسبيها القتالية والإستخباراتية، وتطوير أدوات جديدة تمكنها من اختراق الترتيبات الأمنية المتطورة لدول مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
مقابل الروايات الإستخبارية المتعددة، لم تظهر أي رواية من جبهة النصرة أم من تنظيم القاعدة تشير إلى حقيقة وجود هذه الجماعة. فأوساط النصرة والقاعدة لا تصدق أو تقر بوجود مثل هذه الجماعة، وتعتبرها وهما، واصطناعًا غربيا وعربيًا “لشرعنة” استهداف النصرة وقصفها. وفي ظل تناقض الروايتين، نرجح أن المجموعة التي أطلق عليها إسم “مجموعة خرسان” موجودة بالفعل. ليس بالضرورة أن يكون اسمها “خرسان”، فالأسماء ليست ذات أهمية هنا، والإسم يصبح إسما بمجرد أن يطلق طرف أكان الطرف المؤسس أو الطرف العدو لهذا المؤسس.
إن المتابع لنشأة جبهة النصرة وسياق تطورها يدرك أن الجبهة عندما تأسست لم تعلن البيعة أو الولاء لأي من التنظيمات الإرهابية الإقليمية أو القيادة المركزية للقاعدة مع أن دولة العراق الإسلامية ساهمت في نشأة النصرة ماديا ولوجستيا وعسكريا. ومن المعروف أيضًا، أن بيعة الجولاني للبغدادي بيعة اضطرار وليست بيعة اختيار، فالجولاني أراد عندما أعلن أبو بكر البغدادي دمج النصرة ودولة العراق الإسلامية في فصيل واحد، الهروب من هذا الدمج والمحافظة على استقلالية التنظيم، وحل إشكالية البيعة بالهروب إلى بيعة أكبر هي بيعة الظواهري. وقد تحقق له نظريا ما أراد. في المقابل، تدرك القيادة المركزية للقاعدة أن بيعة الجولاني لها فرضتها الظروف، وأن جبهة النصرة وإن كانت تنتمي للتيار السلفي الجهادي، فإن مقاربتها للمسألة كانت تنحصر في الإطار الوطني وليس الإطار الأممي. وعلى اعتبار أن تنظيم القاعدة أصبح يصارع كم أجل البقاء بعد مرحلة من الوهن نتجت عن اغتيال مؤسسه وزعيمه أسامة بن لادن والعمليات العسكرية ضده، فإنه أضحى بأمس الحاجة إلى قاعدة أو خلايا مدربة لاستخدامها في الصراع مع “العدو البعيد”، والذي هو العدو الأساس للقاعدة.
لم تعد أفغانستان ملاذَا أمنا، ولا باكستان أيضًا فقد افتقدت القاعدة غالبية مراكز التدريب التابعة لها نتيجة القصف الأميركي وخاصة باستخدام طائرات بدون طيار. وفي الوقت عينه لا تستطيع القاعدة إنتاج مثل هذه المعسكرات في العراق نتيجة سطوة دولة العراق الإسلامية وجنوحها بعيدا عن خط القاعدة، ولا في المغرب العربي لوجود دول أمنية قادرة على اكتشاف هذه المعسكرات.
انطلاقًا مما سبق، نرجح أن الظواهري اختار سوريا، حيث تعم فوضى السلاح بشكل كامل، وتتعدد الأطراف المشتركة في الصراع (نظام، قوات إيرانية، حزب الله، فصائل عراقية، جيش حر، كتائب أهلية، فصائل إسلامية، جماعات جهادية) لإنشاء مثل هذه المعسكرات النخبوية، ونرجح أن اكتشاف هذه المجموعة هو عمل استخباراتي أمريكي محض.
داعش.. الإتجاه نحو خارطة رعب جديدة في المنطقة:
لم يعد يخفى عن الخبراء والسياسيين والعسكريين في باكستان عن أن ما يحدث اليوم في أفغانستان من ارتفاع عدد مقاتلي “تنظيم الدولة” في الأشهر الماضية يؤكد أن هناك رسماً جديداً لخارطة جديدة في المنطقة، خلاصتها هو استبدال مقرات “داعش” في العراق وسورية إلى فتح مقرات جديدة لها في أفغانستان. في هذا الصدد، يقول عدد من قادة الجيش الباكستاني السابقين وقادة الإستخبارات: أن هناك خطة جديدة يجري إعدادها وتقف وراءها أمريكا دون أدنى شك هدفها إبقاء المنطقة متوترة، وتفجير مواجهات على شكل حرب استنزاف حقيقية يجري التحضير لها، ويتوقع أن يتحول صيف 2017م في أفغانستان إلى حار ومرتفع جداً إذا أخذنا بالمعطيات على الأرض، حيث تشير التقارير إلى تجمع كبير لمقاتلي “داعش” أو “خراسان” في الجنوب والشرق والشمال والغرب من أفغانستان، وتشكيلهم لجبهات عسكرية فيها، وحصولهم على أسلحة متطورة وحديثة، وفق ما تشير إليه التقارير الواردة من أفغانستان.
وفي مقابل ذلك، تقوم حركة “طالبان أفغانستان” بإعداد قواتها لمواجهة الوضع الجديد على الأرض، ويخشى أن تنفجر الأوضاع في أي لحظة في أفغانستان، وسيكون الأفغان العزل الضحية الرئيسة في أي تفجر للمواجهات التي قد تحصل بين “داعش” و”طالبان”. في الحقيقة،هناك مخطط إرهابي خطير تعد له المخابرات الأمريكية في أفغانستان، يتمثل فيما يلي: توفير ملاذ آمن لمقاتلي “داعش” الفارين من العراق وسورية وتجميعهم في أفغانستان، بصفتها تقع تحت الإحتلال الأمريكي، وفي رأيي فإن أمريكا قامت بنقلهم إلى أفغانستان عبر منافذ مختلفة منها إيران وتركيا وبراً وبحراً، ولا تريد أن تنتهي مهام تنظيم “داعش” بهذه السرعة، وأنها ترغب في نقله إلى منطقة أخرى ليواصل تحقيق ما يريد الأمريكيون أن يحققوه منه. فالأمريكيون ربما يكونون قد وجدوا ضالتهم في مقاتلين من الأكراد في سورية ليعوضوا بهم غياب مسلحي “داعش” ويستخدمونهم في تحقيق الأهداف نفسها التي حاولوا تحقيقها من قبل، فهناك استبدال لمرتزقة بمرتزقة آخرين ومليشيات مأجورة بمليشيات مأجورة أخرى لا غير. فالأمريكيون بقرارهم نقل هؤلاء المرتزقة من سورية والعراق في الحقيقة يقوم على حسابات سياسية وعسكرية في المنطقة، فهم بعد شعورهم بعدم القدرة على القضاء على حركة “طالبان” التي صمدت في وجوههم منذ عام 2002 إلى عام 2017م، وما زالت مستمرة إلى اليوم، باتوا يبحثون عن مليشيات يستعينون بها تكون من نفس فكر “طالبان” وبنفس قوتها وسطوتها لاستخدامها في حرب استنزاف، لأنهم لا يريدون أن يأتوا بقوة مسلحة لتحتل مكانة “طالبان” وتكون بديلاً عنها، بل يريدون تفجير حرب استنزاف تشبه ما جرى تجربته في سورية بعد أن نجحوا في استخدام مقاتلي “داعش” ضد “الجيش الحر” السوري منذ عام 2013م، ونجحوا في تغيير الخارطة السورية، وحولوا “داعش” إلى إحدى أقوى المجموعات المسلحة، رغم أنها لم تتمكن من أن تستولي على الجميع، لكنها استخدمت لمهمة إرهاق المجموعات الأخرى، وعلى رأسها الجيش الحر وإضعافه.
الأمريكيون سيعيدون الكرة في أفغانستان، وسيستخدمون مقاتلي “داعش” والمرتزقة الفارين من العراق وسورية في حرب جديدة ضد “طالبان”، وسيمكنونهم من الحصول على الأسلحة والمدافع والصواريخ، وسيضعون تحت تصرفهم ثكنات بأكملها تحت مسرحية استيلائهم على مراكز للجيش الأفغاني كغطاء لجعلهم يحصلون على السلاح المتطور دون أن يشك فيهم أحد، ويتهمون بأنهم يسلحون من قبل الأمريكيين والقوات الأفغانية التي هي المستفيد الرئيس من تنامي هذا التنظيم على حساب “طالبان”، وبهذه الطريقة سيسهلون عليهم الإستحواذ على معاقل “طالبان” في الجنوب والشرق والغرب، ويغرقونهم في مواجهات عنيفة، وبهذا ستضعف “طالبان” كما ضعف الجيش الحر السوري، وسيتشرذم مقاتلو “طالبان”، وسيجدون أنفسهم موزعين بين باكستان وإيران وغيرهما، ومن خلال هذا المخطط سينجح الأمريكيون – كما يرون ذلك – في تغيير الخارطة العسكرية في أفغانستان، وستتحول “طالبان” إلى جماعة مسلحة ضعيفة، وسيتحول مرتزقة “داعش” إلى أكبر تنظيم مسلح في المنطقة يمكن التحكم فيه من بعيد وتوجيهه كما يريدون. وتنضوي تحت هكذا استراتيجية مصالح أمريكية عدو، من بينها:
– منع قيام حكومة إسلامية قوية في أفغانستان، لأنها تخشى في حال نجحت “طالبان” في العودة إلى الحكم أن تمثل خطراً كبيراً على مصالحها في المنطقة، وتشجع الجماعات الإسلامية في دول الجوار على التحرك واستنساخ تجربة “طالبان” في تأسيس حكومات إسلامية قوية في المنطقة، وهو ما سيشكل خطراً كبيراً على مصالحهم في المنطقة وعلى قواعدهم العسكرية. وهو الأمر الذي لن تسمح به أمريكا، وستعمل بكل الوسائل لمنعه والتصدي له، وتحت هذا الإطار سيستخدمون كل وسائلهم المشروعة وغير المشروعة من أجل منع سقوط الحكومة الحالية.
– الهدف الآخر للأمريكيين من وراء هذه الخطة هو تعريض أمن كل من الصين وروسيا وباكستان للخطر، بسبب بنائها عشرات القواعد في أفغانستان، والشروع في عمليات تجسس على هذه الدول، حيث سيمكنها أن تعرض أمنها واستقرارها لخطر كبير، والأمريكيون يدركون أن نجاحهم في البقاء في أفغانستان اليوم وتقوية حلفائهم في الحكم سيمكنهم من تحقيق أحلامهم التاريخية في الوصول إلى مناطق يمكنهم من خلالها مراقبة روسيا والصين وباكستان والتجسس عليها بطرق حديثة ومراقبتها بسهولة ويسر.
كما ويريد الأمريكيون أن يحولوا قواعدهم العسكرية المنتشرة اليوم في أفغانستان تحت معاهدة أمنية بين أمريكا وأفغانستان إلى أوكار للتجسس وجمع المعلومات ومراقبة هذه الدول التي تراهم أمريكا المنافسين الحقيقيين لها والأطراف التي تشكل خطراً كبيراً على انفرادها بالسيطرة على العالم.
– حتى من الناحية الاقتصادية، فإن الأمريكيين سيستخدمون قواعدهم في أفغانستان للتصدي لأي تحرك صيني للسيطرة الإقتصادية على العالم، فالأمريكيين يخشون من أن تتحول الصين إلى دولة اقتصادية لا ينافسها أحد، وأنهم بعد إطلاق مشروع “سيباك” الصيني الرائد في باكستان سيجدون ضالتهم في تحقيق حلمهم في التحول إلى قطب اقتصادي الأكبر والأضخم في العالم، وهذا الأمر لن تقبل به أمريكا، وستتصدى له بمختلف الوسائل.
خراسان.. طبخة أمريكية في أفغانستان:
يقول خبراء باكستانيون: إن المعلومات القادمة من أفغانستان وسلوك القوات الأفغانية تجاه “تنظيم خراسان”، الموالي لـ”داعش”، وتغاضيهم عن تنقلات مسلحي التنظيم القادم من العراق ومن دول أخرى وعدم تحركهم ضده في شرق أفغانستان؛ مؤشرات تشير إلى أن هناك أمراً ما يطبخ لأفغانستان من جهة، وسلاحاً جديداً قرر الأمريكيون مع حلفائهم الأفغان اللجوء إليه اليوم لهزيمة “طالبان” ومن يقف وراءها. وفي رأيهم أن المخطط الجديد هو نوع من اللعب بالنار لا غير، وأن السحر قد ينقلب على الساحر، وأن الرهان على تنظيم مكون من المرتزقة قد ينجح في فترة معينة في تحقيق ما يخططون له، لكنه قد يتحول فيما بعد إلى كابوس لما يتركه من آثار خطيرة على الأمن والإستقرار، وعلى مزيد من التفكك والتمزق في المنطقة وسيبقيها غير مستقرة، وهو ما يعني أن مصالحهم نفسها ستكون مهددة.
التاريخ يعيد نفسه بعيون غربية ماكرة:
في التاريخ الرسمي للإسلام، حمل الخراسانيّون راية العباسيين، وخاضوا -باسمهم- معاركهم الكبرى ضد الدولة الأموية في بلاد الشام. ولكنهم سرعان ما دخلوا مع العباسيين في صراع مرير، انتهى فعلياً بسيطرتهم -غير المباشرة- على الخلافة ، واليوم يعيد الغرب إنتاج الواقعة ذاتها: خلق (خراسان جديدة) تكون مهمتها ممارسة أقصى درجات الوحشية لتقوم بـ(افتراس الخلافة) وإلتهامها، وتأسيس (دولة) إسلامية جديدة، تقع مع التاريخ العباسي القديم في حقبة التأسيس (أي ما يزعم أنها حقبة تأسيس الخلافة في بغداد على يد الخليفة أبو العباس السفاح). هذا التاريخ الذي يعاد (إنتاجه) هو ما تسميّه داعش في أدبياتها بمرحلتي:
التوّحش والتمكين، أي أن دولة الخلافة سوف تنتقل من التوّحش إلى بناء دولة طبيعية( فقط بعد التمكين). لعل الغرب يقوم فعلياً بإعادة بناء فكرتنا عن أنفسنا وتأريخنا، وهذا يعني أنه يعيد صياغة الماضي بوصفه مستقبلاً، لكي نعود القهقرى في قلب التاريخ وإلى اللحظة الخراسانية ذاتها، حين كانت شعوب الحوض الأفغاني- الباكستاني (القوقازي) تقرر مصير الخلافة العباسية في لحظة صراعها مع بلاد الشام.
يمكننا التنبؤ منذ الآن بأن الأحداث العاصفة في المنطقة سوف تتجلى في صورة موجة توّحش جديدة، ما بعد داعشيّة وتكون أكثر فضاعة، قادمة من الحدود الأفغانية- الباكستانية: أعداد هائلة يصعب حصرها من الوحوش البشرية قادمة من الحدود الأفغانية- الباكستانية، سوف تتجه إلى قلب العالم العربي، وبحيث تصبح داعش أشبه بجرذ صغير داخل غرفة مظلمة فيها مصيدة فئران وقط جائع.