أضيف بتاريخ: 08 - 03 - 2017
أضيف بتاريخ: 08 - 03 - 2017
هو في صحافة العدو (موقع “والا”) نمر التكتيكات القاسية، ويصفه روبرت فيسك بـ «الرجل الذي يهابه الجميع».
واكبناه منذ بدأ تسجيل انتصاراته المدوية على عصابات الارهاب في سوريا، وقمنا بتسجيل أهم عملياته بتفاصيلها الميدانية، منذ ما قبل عملية فتح طريق خناصر الأولى، الى ما بعد فك حصار السجن المركزي ومطار كويرس، فأطلقنا عليه لقب «ملك الالتفافات» و«فاتح الكوريدورات» و«الرعب الأحمر».
يسميه العسكر «الريح الأصفر» وبعض محبيه «نجم سهيل»، ولكن لقب «النمر» رافقه منذ البداية ولا يزال يسجل معه قفزاته النوعية من ميدان الى ميدان، نصراً تلو نصر، من تأمين مدينة حلب بعد تأمين طريقها وخبزها.. إلى معركة تأمين الماء للشهباء العطشى، كان العميد سهيل الحسن ولا يزال قبضة الموت التي تطبق على رقاب الارهاب في سوريا.
آخر المعارك التي تولى «النمر» قيادة عملياتها كانت معركة «الماء» الدائرة حالياً في ريف حلب الشرقي، والتي تهدف بالدرجة الأولى للوصول الى مدينة الخفسة الواقعة جنوب شرق حلب، والسيطرة على محطات ضخ المياه المقامة على الضفة الغربية لبحيرة الأسد، التي تؤمن المياه لمدينة حلب ومحيطها.
وللوصول الى الخفسة انطلاقاً من محيط مطار كويرس كان على قوات النمر التقدم في اتجاهين شرقاً وشمالاً، وفي الوقت الذي كان الجميع يتوقع أن تشكل كل من مدينتي الباب ودير حافر، نقطتي التحام قاسيتين وامتحان وتحد كبير للعميد سهيل الحسن ووحداته القتالية، كانت خطة «النمر» ترسم معالمها في اتجاهات مختلفة، يضبط ايقاع حركتها خطان أساسيان، أولهما خطوط نقل المياه من محطة ضخ المياه رقم ١ والمحطة رقم ٢، وثانيهما خط سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» بحيث يكون الأول خط الجبهة المتحرك والثاني خط التماس الأخضر الذي تم تأمين جانبه بعد اتفاق رعته روسيا مع الأكراد.
تكتيك «الالتفاف» والاضعاف
عند نقطة الانطلاق حدد العميد الحسن خط معاركه ونقاط الالتفاف، التي كان يسعى من خلالها الى تجنب الاصطدام بخطوط دفاع داعش شديدة التحصين ابتداءً، والعمل على فتح «كوريدورات» دائرية حولها تسمح بالانقضاض عليها في اللحظة المناسبة بشكل يربك خطط دفاع العدو ويفقده توازنه، ويوفر الوقت والخسائر على القوات المتقدمة التي لا زال أمامها مئات الكيلومترات لاجتيازها وصولاً إلى ضفاف بحيرة الأسد ونهر الفرات.
تقدمت قوات الجيش بعد السيطرة على تادف وعدة قرى في محيطها، وفتحت «كوريدوراً» طويلاً في عمق مواقع سيطرة داعش، لتحقق أول اتصال بقوات سوريا الديمقراطية عند بلدة «جب الخفي» وتقسم مناطق سيطرة التنظيم الارهابي الى شمالي وجنوبي، قبل أن تقضى على من تبقى في القسم الشمالي وتواصل تقدمها جنوباً، مسيطرة على قرى أم ميال، الحليسية، عامودية.. وغيرها من القرى في طريقها الى مثلث برلين – ام العمد – ام الطلاطل، وتبدأ مسيرة سقوط القرى كأحجار الدومينو أمام تقدم قوات لا تعرف التردد أو التراجع قبل تحقيق الهدف.
الحسن، خبير المعارك المدرك لقدرات داعش واعتماده الرئيسي على المفخخات والانغماسيين، حسم منذ البداية معركة المفاجآت، مسقطاً من يد العدو كل امكانية للتفوق أو الصمود، فاستخدم صواريخه الحرارية التي ثبتها على تلال تمت السيطرة عليها مسبقاً لتدمير كل هدف متحرك من مواقع داعش، ووجه الغطاء الجوي المؤمن له لاستهداف كل النقاط التي يمكن استخدامها لركن المفخخات أو العبوات الكبيرة، فيما تولى سلاحي المدفعية والمدرعات تمشيط ما تبقى من تلال ومساحات تمترس فيها عناصر داعش لمحاولة اعاقة القوات المتقدمة.
سمح هذا التكتيك بتحقيق هدف اضعاف دفاعات داعش، فسقطت القرى والبلدات الواحدة تلو الأخرى وبوتيرة متسارعة كانت تصل الى حدود ٣٠ قرية ومزرعة في اليوم الواحد بعض الاحيان، كما وضع العدو أمام خيارات محدودة بين الانسحاب قبل وصول قوات الجيش السوري أو الفرار بعد أول اشتباك ناري معها.
تكتيك «مظلة النيران»
يعمد العميد سهيل الحسن الى نصب «مظلة نيران» حارقة فوق مواقع العدو، مستعيناً بكل ما تيسر من أسلحة المدفعية والراجمات والجو، وهنا قد يكون صحيحاً أنه احياناً كثيرة يفرغ مخازن الذخائر الثقيلة ليصب حممها فوق رؤوس ارهابيي داعش، لكن الدقيق أكثر، أنه يشكل بواسطة تلك الأسلحة مظلة متعددة الأقواس النارية والاتجاهات والمديات، فيتولى سلاح المدفعية استهداف مواقع ودشم العدو القريبة بمؤازرة المدرعات فيما تقوم الراجمات بدك المنطقة الوسطى الفاصلة بين خطوط الامداد وخطوط الالتحام بينما يتنقل سلاح الجو الحربي والمروحي باتجاه بنك اهداف محدد من جهة وبحسب الحاجة الميدانية من جهة أخرى موفراً غطاءاً جوياً على مدار الساعة لتحرك القوات الأرضية.
أما القوة النارية الأكثر فاعلية والتي يتقن ويتفنن عناصر القوات الخاصة المرافقة للعميد الحسن في استخدامها فتتمثل بالقذائف والصواريخ المباشرة مختلفة الأنواع والعيارات، مثل قواذف الآر بي جي، مدافع الـ ١٠٦ المحمولة، الصواريخ الحرارية «كورنيت» وغيرها، والتي تشكل مظلة حماية لمجموعات المشاة والاقتحام خلال تقدمها باتجاه دشم وتحصينات العدو، فتدمر ما تحصن منها وتغلق ما يستخدمه ارهابيو داعش للتحرك والتنقل واستهداف القوات المتقدمة.
سير المعارك: من محيط المطار الى ضفة الفرات
أكثر من ١٠٠٠ كيلومتر مربع وأكثر من ١٤٠ بلدة ومزرعة، ١٠ تلال حاكمة، ومئات القتلى والجرحى في صفوف ارهابيي داعش، هي الحصيلة غير النهائية للعمليات العسكرية منذ انطلاقها، بخط طول تجاوز الـ ٣٢ كلم كانت نقطته الأولى شرق مطار كويرس ولن يتوقف قبل السيطرة على كامل محطات الضخ وتأمين خط الأنابيب وقنوات الري الرئيسية في المنطقة.
العملية التي انطلقت منتصف شهر كانون الثاني الماضي جرت على مساحة تتبع ادارياً لثلاث نواحي هي الباب ودير حافر ومنبج، وتميزت بسرعة التقدم ودقة الاستهداف وبالسقوط المدوي والسريع لمواقع داعش، واستطاع خلالها الجيش السوري تدمير عشرات المفخخات التي حاول داعش تحريكها باتجاه خطوطه الامامية قبل أن تصل حتى الى خطوط التماس، كما تمكنت طائرات الجيش من اصطياد ارتال كبيرة لآليات داعش واحراقها بمن فيها على مختلف خطوط الامداد، وقتل خلالها عدد كبير من قيادات داعش الميدانية الذين عرف منهم أمير الإعدامات “خلف الحسين” وأمير القصاص “أبو زيد التونسي” وقائد مجموعة الأنصار “أبو عبيدة الاسترالي.
وبالاضافة الى الانجازات الميدانية الكبيرة، سجل التنسيق والتعاون بين القيادة السورية وحلفائها خرقاً كبيراً على الخارطة العسكرية لريف حلب تمثل بموافقة «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركياً وبعد وساطة روسية على تولي الجيش السوري حماية محيط مدينة منبج من الجهة الغربية، ودخول قوات سورية حكومية الى منطقة المربع الأمني للمدينة، بمواكبة من القوات الخاصة الروسية، الأمر الذي يعتبر هدفاً محققاً في مرمى قوات الاحتلال التركي التي وضعت نصب أعينها السيطرة على مدينة منبج، كما أنه يسقط كل التحفظات والشعارات التي رفعها سابقاً قادة ما يسمى «قوات سوريا الديمقراطية» على أي عملية تنسيق مع القوات الحكومية السورية، ويمثل اعترافاً ولو بشكل غير مباشر بأن قوات الجيش السوري تشكل الضمانة الأولى للمدنيين والأراضي السورية.
استراتيجياً: وصل الحسكة – حلب وقطع طريق الرقة
سجل الجيش السوري خلال عملياته في الريف الشرقي لحلب عدة اهداف عسكرية ذات طابع استراتيجي، كان أولها وصل ريف الحسكة والقامشلي بالريف الحلبي وتأمين خط بري للمرة الأولى بين هذه المناطق بعد وصوله الى خطوط التماس مع قوات سوريا الديمقراطية، وثانيها قطع الطريق على قوات ما يسمى بـ «درع الفرات» وقوات الاحتلال التركي وانهاء أي أمل لها بالتقدم نحو الرقة والمشاركة في عملية تحريرها من داعش، ما لم تلجأ هذه القوات الى فتح جبهة عسكرية مع «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة أميركيآً.
كما استطاع الجيش السوري بهذه السيطرة الوصول إلى ضفة نهر الفرات في الريف الشرقي لحلب وللمرة الأولى منذ سنوات، واضعاً موطئ قدم له على طريق التفافي جديد سيسمح له هذه المرة باستهداف خطوط داعش الخلفية البعيدة والموازية لناحية مسكنة جنوباً ودير حافر شمالاً، مشكلاً بذلك ضغطاً عسكرياً على المناطق التي كان يستخدمها داعش للتقدم باتجاه طريق اثريا – خناصر، الشريان الحيوي لمدينة حلب وريفها.
ختاماً، وبغض النظر عن سيطرة الجيش السوري على مضخات المياه الواقعة على ضفاف بحيرة الأسد أو وصولها الى مشارفها، تبقى السيطرة عليها مسألة ساعات، ويبقى أمام قوات العميد سهيل الحسن مهام أخرى ليس أقلها تحقيق انجاز وصل جبهتين أساسيتين من جبهات الجيش السوري غرب الفرات .. انجاز سيكون له وقعه الخاص وسيغير الكثير في الخريطة العسكرية للميدان السوري قبل أن تدق طبول «معركة الشرق» أو خلالها.
جمال شعيب