أضيف بتاريخ: 01 - 03 - 2017
أضيف بتاريخ: 01 - 03 - 2017
يبدو أنّ أردوغان الحالم يعيش حالة تعثّر دائم تمنعه من تحقيق أحلامه بشكل كامل، فحلمه تقلّص كثيرًا واصبح على مسافة بعيدة من تحقيقه. فالبداية كانت رغبته بأن يصلي داخل الجامع الأموي في دمشق كفاتح ومنتصر، ليتراجع ويُبدي رغبته بالصلاة داخل الجامع الأموي في حلب، وما بينهما حلم المنطقة الآمنة تارةً والعازلة تارةً أخرى، ليقتصر الأمر اخيرًا على بسط سيطرته على ما يقارب الـ6000 كلم مربع، يقول ومن معه من القيادة التركية انها سيطرة مؤقتة ستنتهي مع تحقيق الأهداف، بحسب التصريحات التركية.
لم يصل أردوغان الى النتيجة الحالية طائعًا وراغبًا بل مكرهًا، ولم يبسط سيطرته على المناطق بقوة جيشه وانما بموجب تفاهمات مع روسيا التي من المؤكد انه يحاول توجيه طعنة لها كعادته، وهو ما حدا بالروس الى توجيه انذارات بالنار اكثر من مرّة، وعجّل في تنفيذ عمليات الجيش السوري في ريف حلب الشرقي جنوب مدينة الباب لقطع الطريق على أردوغان وأحلامه في التوجه الى الرقّة والتأثير في المسار السياسي من خلال الميدان.
الآن وبعد وصول وحدات الجيش السوري الى تحقيق التماس مع قوات سورية الديمقراطية جنوب منبج، بات على أردوغان إذا ما كان راغبًا في التوجه الى الرقّة ان يصطدم بقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من اميركا او الإصطدام بالجيش السوري المدعوم من روسيا. وعليه، فخيارات أردوغان باتت ضيقة اكثر من السابق وأي تأثير له في المسار السياسي سيكون مرتبطًا بحجم تأثيره الميداني، فأردوغان نفسه صرّح ان توجه قواته الى منبج يحتاج للتنسيق مع روسيا وأميركا، وكذلك الأمر بما يرتبط بالرقّة.
البارحة استطاعت وحدات الجيش السوري ان تحقق التماس مع قوات سوريا الديمقراطية، وهو الأمر الذي يجب استعراضه على أهميته المرتبطة بأكثر من مسألة:
1- هذا التماس ليس التماس الأول، فالجيش السوري والقوات الكردية المكوّن الأكبر في قوات سوريا الديمقراطية على تماس في أماكن عديدة سواء في الحسكة او في حلب وفي حي الشيخ مقصود بشكل اساسي، او من خلال التماس مع هذه القوات في محيط عفرين. ورغم أنّ التنسيق الميداني لم يصل الى الوضع المباشر بين الجيش السوري وقوات سوريا الديمقراطية، لكن تماهيًا في العمليات الميدانية تحقق في اكثر من مكان ولم تحصل في المقابل صدامات طويلة الأمد، باستثناء مناوشات الحسكة التي توصل بعدها الفريقين الى تفاهمات برعاية روسية جنبتهما صدامات أخرى حتى اللحظة.
2- ان وصول وحدات الجيش السوري الى مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية يعني ان التواصل بين المناطق الشرقية لسوريا وحلب سيكون ميسّرًا، ولن يكون امامه اية صعوبات، ولو اني اعتقد ان الطريق لن تكون متاحة لعمليات الإمداد العسكري حاليًا فإنها ستسهل عمليات التبادل التجاري بين الحسكة وحلب وكل سوريا، وستتيح للدولة السورية استعادة حركات الشاحنات مع العراق عبر معابر سملكا وشنغال التي تسيطر عليها القوات الكردية، اضافة الى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية الى الحسكة. وكذلك ما يرتبط بالزراعة من مواد سيعيد العمل الى مئات آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، وشحن اكثر من 600 الف طن من القمح موجودة في اهراءات الحسكة الى كافة المناطق السورية، والإستفادة من حقول النفط في رميلان والشدادي ما يساهم في تقليص ازمة المحروقات.
3- ان استكمال العمليات جنوب خط القطع الأول بمواجهة القوات التركية، والذي هو في الوقت نفسه خط الربط بين حلب والحسكة، سيساعد في تثبيت الوضع الميداني خصوصًا ان عمليات محتملة سيتم استكمالها نحو الخفسة ستنهي بشكل نهائي مشكلة المياه في مدينة حلب واريافها. مع الإشارة الى أنّ تحرير دير حافر وحوض مسكنة سيؤمن قاعدة ارتكاز هامة لعمليات الجيش السوري باتجاه الطبقة والرقة، ويضع في الخدمة مجددًا مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية سواء في المنطقة نفسها او في ارياف حلب المختلفة وخصوصًا منها الجنوبية في منطقة السفيرة ومحيطها، من خلال تأمين المنسوب المائي الدائم لمنطقة السبخة وبحيرة الجبول.
العمليات في الجانب العسكري في المناطق التي ذكرتها ستستمر حتى تثبيت قاعدة الإرتكاز للمرحلة القادمة، وهو امر لا يختلف عليه اثنان. اما المهم الآن فهو كيف سيتمكن الأكراد بشكل اساسي والدولة السورية من تحقيق النفع المتبادل في ظروف معقدة تتداخل فيها المصالح بعد انجاز عملية الربط بين حلب والحسكة، وهنا اعتقد انه سيكون للروس مرة اخرى دور ايجابي في ربط العلاقات بين الدولة السورية والأكراد أقله لتحقيق المنافع المشتركة، مع قناعتي انه لا الدولة السورية ولا الأكراد يرغبان في حصول صدامات ولو في حدها الأدنى. ويبقى تحقيق البعد الإيجابي مما تحقق في الميدان على المستوى الإقتصادي في الحد الأدنى رهنًا بنوايا الدولة السورية التي لن تمانع ابدًا تحقيق مصالح السوريين والأكراد الذين يجب عليهم التعاطي بمسؤولية وحكمة مع التطورات.
عمر معربوني
ضابط سابق – خريج الأكاديمية العسكرية السوفياتية.
بيروت برس