رصد مراكز الابحاث: القيمة الاستراتيجية للانتصار في حلب

أضيف بتاريخ: 28 - 12 - 2016

أ.تحسين الحلبي

قام العقيد المتقاعد من العمل في المخابرات العسكرية الإسرائيلية “شاؤول شاي”-بعد خمسة وعشرين عاماً من خدمته فيها-بنشر ورقة سياسية بالعبريّة (آذار الماضي 2016)، في الموقع الإلكتروني لـ”مركز هيرتسيليا للدراسات”، ذلك في زاوية قسم (IPS)، أي: معهد السياسة والاستراتيجيا، جاءت تحت عنوان: “أربع معارك ستحدد مستقبل الشرق الأوسط”، وستكون وفق الآتي: “الأولى، في حلب؛ والثانية، في الرقة؛ والثالثة، في المَوْصل؛ والرابعة، في صنعاء.
وبيّنَ “شاي” في ورقته أنَّ مَنْ ينتصر في هذه المعارك، سيغيّر مستقبلَ كُلٍّ من: سورية، والعراق، واليمن، وأنَّه “ستعكس هذه المعارك تغييراً في الوضع الجيواستراتيجي، لكلّ منطقة الشرق الأوسط، ولما هو أكبر منها”. كما أنَّه “سوف يشهد عام 2016 منعطفاتٍ حاسمةً في مستقبل المنطقة”.
يتزامن الانتصار الآن في معركة حلب مع معركة المَوْصل التي لم تنته بعد في العراق ، ولم يبق سوى معركة الرقة التي ستكون في أغلب الاحتمالات أقلّ صعوبةً وتحدياً بالمقارنة مع معركة حلب.
وهذا يعني أن انتصار أهم عاصمتين عربيتين تاريخيتين دمشق وبغداد، والانتقال إلى تضميد الجراح، وإعادة البناء بكافة معانيه وأشكاله وأولوياته، وتعزيز حصانته ومناعته الوطنية والثقافية والسيادية، كلّه سيشكل مستقبل هذه المنطقة، وليس المستقبل الذي تريده تل أبيب و واشنطن، أو أنقرة والرياض والدوحة.
وقد ظهر هذا -على الأقل-في رؤية مركز هرتيسليا الإسرائيلي – كما عرضها شاؤول شاي – حين تطرق قبل تسعة أشهر إلى الأهمية الاستراتيجية لمعركة حلب، ومن ينتصر فيها بالإضافة إلى الموصل والرقة وصنعاء.
وتطرقت إلى ذلك أيضاً صحيفة “الغارديان” البريطانية في شباط 2016 حين نشرت تحليلاً في غاية الأهمية قبل عشرة أشهر للكاتبة (ناتالي نوغيريد) تحت عنوان: “ما سوف يحدث في حلب سيشكل مستقبل أوروبا”.
قالت “نوغيريد” في تحليلها: إنَّ “استعادة حلب على يد الجيش السوري سوف تحمل انعطافاً جديداً كبيراً، ستنعكس نتائجه، ليس على المنطقة فحسب بل وعلى أوروبا أيضاً”.
وتوقعت الكاتبة في تحليلها أن يتمكن الجيش السوري بدعم روسي من تحقيق الحسم في حلب، وأضافت: “إن حلب قد يتحدد فيها شكل الهزيمة التي ستلحق بقوات المعارضة السورية” وهي تقصد هنا مجموعات المعارضة المسلحة من غير داعش أيضاً.
ولذلك لم يكن من المصادفة أن يفرض انتصار سورية، على أكبر قاعدة إرهابية تكفيرية في شمال سورية عدداً من التحولات، في مواقف وخطاب كل من شارك في دعم هذا الإرهاب، من دول المنطقة ومن الدول الكبرى، وكانت السعودية في مقدمة من بدأ يُلَمح ويشير إلى الاعلان عن الحل السياسي للأزمة في سورية، وتصادف ذلك مع إعلان “جون كيري” وزير الخارجية الأميركي عن رغبته بالاتفاق مع “لافروف” على حلٍّ كان يرفضه تجاه حلب! وسوف يغادر الحلبة السياسية مخلفاً وراءه آثار هزيمة المجموعات المسلحة التي كان يدعمها مع الرياض وأنقرة والدوحة.
وبالمقابل بدأت الاحتمالات تزداد حول قدرة بوتين على النجاح، في نقل موقف “أردوغان” من الوضع العدائي المباشر المتشدد ضد سورية، إلى موقف يلجم تدخله العسكري، ويوقف تسهيلاته ودعمه للمجموعات الإرهابية من حدود تركيا.
ولا شك أن احتمال تجاوب “أردوغان” نسبياً مع مساعي روسيا لحل الأزمة سياسياً، يُعَدُّ انجازاً بموجب سياسة تحييد أكبر عدد من الأعداء أو تجميد نشاطاتهم العدائية دون أي تنازلات، ولعلّ ما ظهر من تراجع لـ”أردوغان” ووزير خارجيته عن الاعلان “بإسقاط النظام” وسحبه من التداول قبل أسبوع. قد يفتح على الأقل مؤشراً لاحتمالات نجاح المساعي الروسية.
وبدأت تظهر مؤشرات علنية في الاتحاد الأوروبي، تدل على تغيير في طريقة التعامل مع الأزمة السورية. فقد أقر الرئيس الفرنسي “هولاند” بعجزه عن كسب أي نسبة معقولة من الأصوات في أي انتخابات على الرئاسة في أيار المقبل، وأعلن أنه سيغادر الساحة السياسية بعد فشل سياساته الداخلية والخارجية، ومنها: تقديمه الدعم للإرهابيين، والدفاع عنهم، ورعايتهم.
وكشفت صحيفة “واشنطن بوست” في الولايات المتحدة قبل شهر تقريباً أن “ترامب” الرئيس المنتخب، يَعُدّ معركة حلب منتهية لصالح دمشق، وأنه يؤيد إنهاء وجود داعش، وأنه “يتوجب على الولايات المتحدة أن تعمل مع الأسد وحلفائه ضد داعش”.
ويبدو أن بداية عام 2017 ستحمل معها قريباً صفحات وبوابات، تؤكد رغم حجم التضحيات وأثمانها الباهظة أن من يحدد مستقبل سورية هم أبناؤها من الجيش والشعب والقيادة، فهم جميعاً مَنْ صنعوا هذا الانتصار -مع حلفائهم- في حلب وكل انتصار شهدته أرض سورية من الجنوب الى الشمال.
ويشكل هذا بدوره هزيمة استراتيجية للمشروع الإسرائيلي-الأمريكي المشترك الذي وَظَفَ وسَخَرَ ضد سورية دولاً عربية وأخرى أجنبية، بلغ عددها أكثر من ثمانين دولة كل واحدة بحسب ما تَحَدَّدَ لها من مهام وأعمال استهدفت الشعب والجيش والقيادة، بهدف فرض مستقبل ينزع عنها كل منجزاتها الوطنية والعلمانية، وتدمير قدراتها وبنيتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، وتمزيق سيادتها المستقلة.

مركز مداد- دمشق