قراءة في كتاب “ثقوب في ذاكرة الجزائر”

أضيف بتاريخ: 02 - 08 - 2020

* أحمد رضي، (كاتب بحريني)*

المؤلف: محمد علي طاهر
طباعة: مؤسسة الإمارات للإعلام
الطبعة الأولى، 2005

الكتاب من إصدارات صحيفة الاتحاد الإماراتية، ورغم حجمه الصغير (102 صفحة) إلا أنه شدني بمقالاته المثيرة ومعلوماته الخطيرة.

هو عبارة عن سلسلة مقالات وحوارات وهي تتلمس خريطة المواجع الجزائرية الممتدة فوق مساحة نصف قرن، وتهدف إلى تعريف القارئ العربي على صفحات منسية من تاريخ الجزائر في مرحلة الثورة أو ما بعد انتصارها، أو مرحلة بناء الدولة أو مرحلة ما بعد الارهاب “عشرية العنف” في تاريخ الجزائر الوطني.

يشير المؤلف في مقدمة كتابه أنه في الخامس من يوليو 1962 انتزع الثوار الجزائريون استقلالهم من فرنسا، فيما بات يعرف في الأدبيات السياسية ب “ثورة المليون شهيد” التي تعتبر بحق أشرس وأعنف حدث تحرر وطني عرفته شعوب العالم.

وكشف المؤلف عن جراحات الجزائر التي سببها الاستعمار الفرنسي ومنها 18 تجربة تفجير ذري فرنسية في قلب صحرائها، جائت بنتائج كارثية على الإنسان والبيئة، ناهيك عما رافقها من ممارسات يندى لها الجبين تخطت كل حدود الشرائع والقوانين في بشاعتها وحقدها وسوداويتها اللإنسانية. وهذه التجارب أدت إلى سقوط مئات القتلى بشكل مباشر وآلاف الاصابات وإحداث كوارث اشعاعية تفوق بأضعاف مضاعفة “كارثة تشرنوبيل” النووية السوفييتية في الوقت الذي تواصل فيه “إسرائيل” اتهاماتها للجزائر بتصنيع قنبلة ذرية.

والأمر المؤلم أن فرنسا في خضم تجاربها النووية لم تكتف بوضع عينات من مختلف الحيوانات والطيور والنباتات والمياه والأغذية لمعرفة تأثير الاشعاعات فيها.. بل حشرت 200 سجين ومعتقل من المجاهدين الجزائرين اضافة الى عشرات النساء الحوامل والصبيان والشيوخ.. جريمة بشعة ومخجلة ضد الإنسانية.

وأشار المؤلف لدور المركز الوطني للدراسات والبحث في الحركة الوطنية التابع لوزارة المجاهدين، بفتح ملف التفجيرات النووية الفرنسية. (وللعلم: فاز الكاتب بجائزة الصحافة العربية عن أفضل تحقيق بيئي للعام 2003 عن سلسلة مقالاته حول التفجيرات النووية الفرنسية في الجزائر).

كما يتطرق الكتاب إلى جانب مضيئ من العلاقات العربية الجزائرية، تمثل في مشاركة 30 ألف جندي جزائري في القتال على الجبهتين المصرية والسورية في مواجهة إسرائيل (سقط منهم ألف شهيد)، وبلغت هذه المشاركة ذروتها حين تصدت المدرعات الجزائرية لدبابات “شارون” في ثغرة الدفرسوار.

وعرج الكاتب من التاريخ “البعيد” إلى التاريخ “القريب” وتحديدا إلى تسعينات القرن الماضي، التي يطلق عليها الجزائريون في أدبياتهم السياسية “عشرية العنف” التي شهدت أخطر سنوات ما بعد الاستقلال، حيث ركز على دور مؤسسة الجيش وكيفية “تفكيك” هذا الدور من قبل رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة.

وتحدث الكاتب أيضا عن تركيبة الجزائر الاجتماعية والثقافية، مشيرا لوضع الثقافة والمثقفين الجزائرين خلال وبعد الثورة واشكالية الامازيغية، ودور الاستعمار في اذكاء نار الفتنة بين العرب والبربر، بالاضافة لحوار خاص حول انتشار مذهب الإباضية ومساهمة أبناءه في ثورة الجزائر وانفتاحهم مع المذاهب الاسلامية.

وينبغي أن أبين للقارئ العربي مفهوم الامازيغية والبربر بشكل مختصر لوجود فهم خاطئ لهم. فالامازيغية (الأمازيغ، من سلالة الطاسيليين الذين هم بدورهم من سلالة العائديين وهي حضارة قديمة في عمق تاريخ الجزائر)، والبربر (هي تسمية تعود الى الاغريقيين الذين لقبوا كل من لا يتكلم لغتهم بالبربري، بما فيهم الرومان).

وذهب الكاتب إلى عمق الصحراء حيث المخطوطات النادرة “المنتظرة” ليد تنقذها من عوامل الزمن.. وذكر بعض مدن الداخل الجزائري مثل ادرار التي نهب الفرنسيون ذاكرتها ومخطوطاتها النادرة، ودون أن ينسى سكان وادي ميزاب الذين أثروا الجزائر بتراثهم الفكري.. وأفرد صفحات لحضارات “ما قبل التاريخ” ليثبت ان أولى حضارات العالم نشأت في كهوف الجزائر التي أعطتنا أهم أدوات القتال وأول فن مسرحي في العالم، ناهيك عن عبقرية الحضارة العائدية التي تضرب جذورها عميقا في تاريخ البشرية.

ويشير الكاتب للحلقة المفقودة في تاريخ الجزائر نتيجة عدم اكتمال الصورة سواء في مرحلة الثورة أو ما بعد انتصارها بسبب تجاهل السياسيين والقيادات الوطنية لكتابة مذكراتهم وغياب الدراسات التوثيقية الجادة للحياة السياسية التي تشكل وعي الأمة بتاريخها الوطني مع قلة المحاولات الوطنية المحدودة.

ختاما.. لشعب الجزائر كل المحبة والتقدير والاحترام لمواقفه الداعمة للقضية الفلسطينية وحركات التحرر العربي، ولوعيه الوطني وحسه الإنساني الرافض للحلول الاستسلامية.

فالجزائر الذي أعجب بها الثائر الأرجنتيني تشي جيفارا وبقدرة الشعب الجزائرى وبطولته فى طرد المستعمرين الفرنسيين هي الجزائر التي شارك فيها المفكر مالك بن نبي بصوته وقلمه ودعا إلى الثورة على الاستبداد الخارجي والضعف والتخلف الداخلي… وهي الجزائر التي وقف مع ثورتها ورموزها الوطنية المفكر الايراني الدكتور علي شريعتي وأعتقل بسببها في فرنسا المستعمرة، لأنها ثورة ضد الاستبداد والاستعمار والهيمنة، وضد كل ما يتناقض مع الحرية الإنسانية الحقيقية.. وجدير بكل مناظل وإنسان حر أن يقف معها ويحب شعبها تقديرا لمواقفها المشرفة واحتراما لتضحياتها الكبيرة.