درع الفرات وعاصفة الشمال وجها لوجه: بين الوهم الجيوسياسي والحقيقة الجيوستراتيجية

أضيف بتاريخ: 29 - 11 - 2016

يبدو أن ما يسمى درع الفرات التركي المعتمد على أدوات تركية مباشرة وأدوات متاسلمة وارهابية هو من قبيل الوهم الجيوسياسي الذي يعيش خارج الزمن الإستراتيجي وبعيدا عن الميزان الإستراتيجي الفعلي الذي يرسمه الجيش العربي السوري تحت عنوان عاصفة الشمال إلى جانب نقاط الإشعاع الإستراتيجية التي يمثلها حلفاؤه متسلحين ببرنامج جيوستراتيجي متكامل عسكريا واقتصاديا متلاحمة فيه كل أطوار التخطيط الإستراتيجي متوسط وطويل المدى والذي يعود إلى بداية الألفية الثانية هذه، مع إعادة الأمور ميدانيا إلى حالة 2012.
في الواقع، تسوق تركيا يوميا لمخطط إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري تمتد من جرابلس إلى عفرين بعمق يصل إلى حدود مدينة حلب الشمالية ويسري إلى الباب ومنبج في مرحلة أولى ثم إلى الرقة وحلب ثانيا دون أن يكون ذلك معلنا تماما. وفي كل الأحوال يتحدث الأتراك علانية عن منطقة بطول الحدود التركية الشمالية الغربية بجبهة 120 كلم وعمق يتراوح بين 70 إلى 120 كلم. في المقابل تعتبر سوريا ذلك احتلالا مباشرا تورطت فيه تركيا بينما كانت القوات السورية والرديفة والحلفاء يراوحون بين حماية البؤر الأكثر أهمية وبين تصادم مؤقت بين الأتراك وادواتهم من جهة وبين فسح مساحة تفكيك ارتدادي لكل من المشروع الانفصالي ومشروع الإمارة من جهة الدعم التركي ومن جهة الدعم الأميركي وتشتيت الأتراك بين جهة الروس والإيرانيين وجهة الأمريكان والأوروبيين من ناحية أخرى. إلا أن القرار الوطني السوري السيادي والذي لا يقبل النقاش، بصرف النظر عن تدحرج الأمور نحو التوتر العسكري أو نحو التسوية، هو تحرير الأراضي السورية شبرا شبرا والمحافظة على وحدتها بكل الطرق أقلها تكلفة واغلاها ثمنا.
ونظرا لوقائع الميدان وموازين القوى وبحساب الوزن الميداني والاستراتيجي لمدينة الباب في المعادلة واستتباعاتها على المشهد الميداني العام، وقياسا على البيئة الميدانية والإستراتيجية والسياسية العامة، نرجح أن تمتنع تركيا عن المغامرات المجنونة المنافية لأبسط قواعد المنطق السياسي والحساب الإستراتيجي.
وذلك للأسباب التالية:
1- التحشيد الكبير للجيش العربي السوري ومن معه لما يلزمه التحرير الفعلي للباب من الإرهاب ومن الإحتلال ومن الإنفصال وخاصة في ما تمثله “قوات سورية الديمقراطية” المدعومة أمريكيا بميزان
2- موقع مدينة الباب كدرع دفاع رئيسي من الشرق عن حلب وعن منجزات الجيش العربي في حلب، في واقع تقدمه في تنفيذ خطته بما يناهز نسبته 80%
3- سقوط المشروع الاستعماري الرامي إلى تقسيم سورية إلى حد الآن من جهة المشروع الكردي الانفصالي ومن جهة المشروع الطائفي الوهابي
4- بلوغ حلفاء سوريا مرحلة التحذير الشديد لتركيا وهو ما أتى في قول إن القوات الروسية خلف القوات السورية في تلك المواقع وعلى لسان الإيرانيين في عبارة ” النصيحة الحازمة” بعد الرسالة العسكرية المباشرة التي وجهها الطيران السوري إلى الأتراك
5- المنجزات الهائلة التي تححقت إلى حد الآن منذ الشروع في عاصفة الشمال والتي بلغت ذروتها يوم أمس عل النحو التالي:
أ- تحرير 20 كلم من الأحياء الحلبية الشرقية من واقع 45 كلم مربع بما يعادل 40 بالمائة من المساحة يوم أمس مع شطرها إلى جزء شمالي وجزء جنوبي
ب- تحرير 10 أحياء كاملة دون أن نتحدث عن إنجازات اليوم بما يساوي تحرير 80000 مدني
ت- هروب وخروج آلاف المدنيين الرهائن الذين تستعملهم العصابات الإرهابية دروعا بشرية بما يناهز إلى الآن 10000 مواطن منهم حوالي 4000 طفل
ث – استسلام مئات المسلحين وتسليم أسلحتهم وسيطرة الدولة على أكثر من 3000 بناية دون أن تتحدث أيضا عن إنجازات اليوم
ج – هروب وتراجع واندحار آلاف الإرهابيين المسلحين
ح – الشروع في عمليات مصالحة وتسوية إضافية قطعت مراحل متقدمة في خان الشيح – زاكية – الكسوة – كناكر – الحسينية – الطيبة – المقلبية – مراني – مزارع دروشة
د – اتجاه بعض المجموعات إلى الريف الشمالي لتعزيز صفوف الأمريكان مقابل 200 دولار
6- انسحاب وحدات من ألوية «مراد الرابع» و «محمد الفاتح» التركمانية بقرار تركي قبل أربعة أسابيع من أحياء الهلك وبستان الباشا والحيدرية والشيخ فارس والشيخ خضر وهي الأحياء التي تقيم فيها مجموعات سكانية تركمانية كبيرة في أقصى الشمال الشرقي لحلب. علما وأن هذه المناطق سقطت بين البارحة واليوم. إلى جانب ورود أنباء عن تحول المدعو المحيسني المشرف على ما يسمى جبهة النصرة إلى تركيا بأوامر سعودية.
اما عن حقيقة المعركة من وجهة النظرية السورية العسكرية الدقيقة على المحور الغربي فقد أكد رئيس فرع الإعلام في الإدارة السياسية التابعة لوزارة الدفاع السورية، العميد سمير سليمان، في مقابلة مع وكالة سبوتنيك الروسية أن الهجوم الأخير على غرب وجنوب غرب حلب شن بعشرات الآلاف من المسلحين.
وأضاف أن حشد المجموعات الإرهابية “كان كبيرا جدا في العدد والعتاد والأسلحة المستخدمة والتخطيط، كانت أعدادهم لجيوش وليست لعصابات إرهابية “.
وبالنسبة لتركيا قال: “إن الجيش السوري يقاتل تركيا بشكل غير مباشر عبر قتال المجموعات المسلحة في مناطق مختلفة من ريف حلب”. لأن هذه المجموعات تتلقى الدعم الكامل إن كان بالسلاح أو العناصر والإستشارات والخبراء الأتراك الذين يشاركون في المعارك ويقتل منهم الكثير”. هذا وقد سبق وأن أعلن الجيش العربي أنه سيتعامل مع أية قوات تركية على أنها قوات غدوة.
ويبقى تقدير الموقف الميداني في المكان والأهمية والنتائج وزمان خوض المعركة خاص بالقيادة العسكرية ولكنه محكوم بالحسم العسكري لا محالة.
صلاح الداودي. منسق الهيئة العلمية لشبكة باب المغاربة للدراسات الإستراتيجية