نبذة عن العلاقات “الروسية الإسرائيلية”

أضيف بتاريخ: 19 - 09 - 2018

قبل عام 1948 كان الموقف الأيديولوجي “الماركسي” للسوفييت معادٍ “للحركة الصهيونية” من حيث رغبتها في إنشاء دولة تقوم على أساس ديني، وكانت تعتبرها أشد الحركات رجعيَّة، وامتد الأمر لاعتبار الانتفاضات العربية الفلسطينية في مواجهتها، حركات ثورية وتقدمية.

مع انتهاء (الحرب العالمية الثانية) تغيرت نظرة السوفييت “للحركة الصهيونية”، لعدة أسباب أبرزها الدور الذي لعبته “الحركة الصهيونية” في مواجهة “النازية”، كما كان خيار قيام “الكيان الصهيوني” أفضل بالنسبة إلى السوفييت من وجود دولة عربية ترث العمالة البريطانية وتضطهد الشيوعيين، وبذلك كان الاتحاد السوفييتي هو أول من اعترف بالوجود القانوني “للكيان الصهيوني” عام 1948.

منذ عام 1948 وحتى 1956 تغيرت الرؤية السوفييتة تجاه “الحركة الصهيونية” مع انكشاف حقيقة أهدافها، باعتبارها حليفاً استراتيجياً للإمبريالية الغربية وأداةً لها، وترجمت هذه الرؤية بقطع العلاقات الدبلوماسية “السوفييتية الإسرائيلية” لعدة أشهر عام 1953.

وفي عام 1956 كان التحول الأبرز في تدهور العلاقات “السوفييتية الإسرائيلية” كنتيجة للتقارب الإسرائيلي الأمريكي وحماية “الكيان” لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية، حيث أدان السوفييت العدوان الثلاثي على مصر، مع تقديمهم لكافة أشكال وأنواع الدعم للدول العربية، إضافةً إلى دعمهم للقضية الفلسطينية.

مع رفض “الكيان الصهيوني” قرار مجلس الأمن رقم 242 بوقف إطلاق النار إبان العدوان الثلاثي، قام السوفييت بقطع العلاقات الدبلوماسية مع “الكيان الصهيوني”.

بقيت العلاقات “السوفييتية الإسرائيلية” مقطوعة حتى تفاقم الحملات المضادة للإتحاد السوفييتي التي شنَّها “الكيان الصهيوني” بالتعاون مع الدول الغربية من أجل السماح لليهود السوفييت بالهجرة إلى “إسرائيل”، وهو السبب الذي كان وراء استئناف الاتصالات بين الطرفين والذي تمثل بإعادة العلاقات على المستوى القنصلي فقط عام 1987، لتبقى كذلك حتى تم إعادتها بشكل كامل عام 1991.

عام 1991.كان “للحركة الصهيونية” و”اللوبي الصهيوني” دوراً بارزاً في نشوب العديد من الأزمات الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى تفكك الاتحاد السوفييتي، وتحت وطأة من هذا الضغط قام “غورباتشوف” بفتح باب الهجرة لليهود، مما أثر على العلاقات التعاونية “السوفييتية العربية”.
ومع مجيء “يلتسين” بدأ التعاون العسكري الاقتصادي بين البلدين، في فترة أصبحت فيها رؤوس الأموال الاقتصادية بيد كبار اليهود في الاتحاد السوفييتي، مع تنفذ العديد منهم في جميع المواقع الضاغطة على القرار الروسي تجاه الشرق الأوسط.

مع مجيء “بوتين” عام 2000، حاول تحسين العلاقات مع “الكيان الصهيوني” في ضوء استراتيجية براغماتية واقعية تسعى لاستعادة المكانة الدولية لروسيا، وتفرض عليها التعامل مع جميع القوى الإقليمية أصدقاءً كانوا أو خصوماً تقليديين، بما فيها “الكيان الصهيوني”، مع رغبة “بوتين” في تطوير العلاقات الاقتصادية مع دول الشرق الأوسط.

أدى ذلك إلى نمو التجارة بين “روسيا وإسرائيل” لتصل إلى مليار دولار عام 2005 وارتفاعها بحلول عام 2014 إلى 3,5 مليار دولار، إضافة إلى وجود أكثر من مليون روسي داخل “إسرائيل” توجب على “بوتين” الحرص على توازن العلاقات السياسية الروسية تجاه “إسرائيل”، إضافة إلى التعاون العسكري في مجال النانوتكنولوجيا بين البلدين حيث يسعى “الكيان الصهيوني” من خلال هذه العلاقات للضغط على سياسات موسكو بما يتناسب مع مصلحة “إسرائيل”، كما فعل عام 2004 عندما شهدت العلاقات “الروسية الإسرائيلية” تأزماً كبيراً، حيث قام “الكيان” بالضغط على روسيا من خلال الولايات المتحدة حتى لا تسلم لسورية منظومة صواريخ متطورة مضادة للدبابات.

وأخيراً، جميع مؤشرات العلاقات “السوفييتية الإسرائيلية”، يمكن النظر إليها وتفسيرها في ضوء المكانة والثقل الدولي الذي فرضته روسيا في المنطقة كقوّة عظمى، بعد تراجع الدور الأمريكي وانهيار أهدافه الكبرى في سورية خصوصاً، الدور الأمريكي الذي بدأت “إسرائيل” تنظر إليه بعين الريبة، والذي وصل في فترة ولاية “أوباما” حد تهديده بقطع المساعدات العسكرية لـ”إسرائيل”، مما يدفع “كيان الاحتلال” للمحافظة على جملة علاقته مع الاتحاد الروسي، باعتبار روسيا أضحت القوة التي تؤسس لخارطة “أمن الإقليم الدولي”.

ثقل تلك العلاقات لم يؤثر أو يمنع “بوتين” من:

– استضافة قيادات “حماس” في عام 2006 بدعوة منه، ونفيه بأن تكون “حماس” منظمة إرهابية
– دعم روسيا الكامل للبرنامج النووي الإيراني الذي يمثل التحدي الأكبر للأمن القومي “الصهيوني”
– دعم روسيا الكامل للدولة السورية آخر قلاع المقاومة والقومية العربية التي تشكل تهديداً وجودياً على “الكيان الصهيوني”.

الاتحاد الروسي ليس جزءاً من العالم العربي، و”بوتين” ليس قومياً عربياً، وليس مطلوباً من الاتحاد الروسي تبني الأهداف القومية العليا للدولة السورية، وخصوصاً بما يتعلق بحساسية الملف “الفلسطيني” والمواجهة مع العدو الصهيوني، وبالمقابل، ليس مطلوباً من أحد تهويل العلاقات “الروسية الإسرائيلية” الثنائية، وتعويمها على حساب التحالف الإستراتيجي الأكبر بيننا وبين الروس، فـ”الكيان الصهيوني” كان ولا يزال رأس الحربة للهيمنة الغربية الأمريكية في المنطقة، التي يقف اليوم الروسي متحدياً لها من أعلى صخرة صمودنا، بينما استثمارنا في أي تناقض ينشأ بين تلك العلاقات “الروسية الإسرائيلية” الثنائية، ينصب في مصلحتنا، على غرار ما حصل في أزمة “جورجيا”.

وعن منظومة الصواريخ s300 نُذكّر أنه عندما سُئل الرئيس الأسد عنها، لم يجب لا بالتأكيد أو النفي، قائلاً: (لا يُعلن عن استخدام السلاح بالنسبة إلينا سوى استخدام هذا السلاح)، وهو يخضع لعوامل تكتيكية وإستراتيجية في العسكر والسياسة، وجب على البعض أيضاً عدم تسطيحها.

مهند ديب