العلاقات الألمانية-الصهيونية. تراحع وزن المحرقة

أضيف بتاريخ: 15 - 03 - 2018

– مركز دراسات الأمن القومي –

قرار المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل العام الماضي بتأجيل التشاور السنوي بين حكومة إسرائيل وألمانيا (الذي كان يُفسر على أنه عدم رضا عن التصرفات الإسرائيلية فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي – الفلسطيني)، قرار تعليق توقيع عقد بيع غواصات من ألمانيا لإسرائيل نتيجة لأسباب تتعلق أيضًا بتصرفات حكومة إسرائيل المتعلقة بالصراع، تصويت ألمانيا في الأمم المتحدة خلال السنوات الماضية بالقضايا المتعلقة بإسرائيل، تصريحات مسؤولي الحكومة الألمانية بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، بالإضافة إلى محتوى خطاب وزير الخارجية الألماني زيغمار جبرائيل في المؤتمر السنوي لمعهد دراسات الأمن القومي، الذي عقد في يناير 2018؛ كل ذلك يشير إلى تغير في موقف ألمانيا إزاء إسرائيل. ما هذا التغير؟ هل يعكس اتجاهًا؟ وفي حال كان يعكس فعلًا، فما الذي يمكن فعله من أجل الحفاظ على طبيعة التفرد في العلاقات؟

الجانب المركزي وبالطبع الوحيد لأساس العلاقات المتفردة بين إسرائيل وألمانيا هو ذكرى المحرقة، ونتيجة لها جاء الالتزام الذي أخذته ألمانيا على عاتقها بوجود إسرائيل وأمنها. هذا المنطق وجّه سلوك صناع القرار في ألمانيا إزاء إسرائيل في العقدين الماضيين منذ بناء العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. التفرد ظهر في الدعم الذي حظيت به إسرائيل على المستوى الثنائي والدولي.

منذ بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وأزمة التوقعات من قِبل ألمانيا تجاه إسرائيل واضحة، أسبابها تكمن أولًا وقبل كل شيء في سلوك إسرائيل المتعلق بالصراع مع الفلسطينيين، الذي من وجهة نظر ألمانيا لا يتفق مع القانون الدولي، أحد المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها ألمانيا في تشكيل سياساتها الخارجية. يُضاف إلى ذلك غياب الثقة التي تطورت في السنوات الاخيرة بين رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو والمستشارة ميركل، مؤخرًا يمكن ملاحظة التآكل المستمر والملحوظ في نتائج استطلاعات الجمهور حول علاقة الجمهور الألماني إزاء إسرائيل.

مسؤول ألماني أشار إلى أنه لا يتوقع تغيرًا من جانب النخبة الحالية في العلاقة مع إسرائيل، الجيل القادم يتوقع أن يُظهر فهمًا أكبر للجانب الفلسطيني وتوجيه انتقاد حاد لسلوك إسرائيل. على خلفية هذه التطورات، يبدو أنه في التوتر بين تفرد العلاقات والتطبيع؛ ظهر اتجاه يمكن أن يتم وصفه على أنه نوع من التفرد، بجانب التوسع في التطبيع في العلاقات. بعبارة أخرى: إذا كان تسليط الضوء على ذكرى المحرقة في السابق قد أضعف وزن اعتبارات السياسة الواقعية من ناحية ألمانيا، لكن هذا ليس كافيًا لمواجهتها اليوم.

حسب هذا الاتجاه، ليس هناك مكان لرؤية تأثير القضايا الموجودة اليوم على جدول الأعمال لكلا البلدين كشاهد على العلاقات المتفردة أو الشراكة الاستراتيجية؛ بل شراكة ذات مصالح مشتركة من النوع التي تقيمها إسرائيل مع عدة دول، إنها شراكة استراتيجية تستند على أساس رؤية استراتيجية مشتركة للتهديدات وطرق التعامل معها، وأيضًا شراكة قيم. الفجوات المتسعة بين ألمانيا وإسرائيل في هذه المجالات مؤخرًا تشهد على أن ليس هذا أساس العلاقات بينهما. الدليل على هذه الفجوات يتمثل في اللقاءات الثنائية التي تعقد في السنوات الأخيرة، وخلالها تتم مناقشة قضايا ذات اهتمام مشترك، تسيطر عليها خلافات في وجهات النظر، والتي يبدو جزء منها غير قابل للحل.

خطاب وزير الخارجية الألماني في مؤتمر معهد دراسات الأمن القومي السنوي أوضح موقف ألمانيا، “ما هي بالضبط استراتيجية إسرائيل حول الصراع؟” كان هذا هو السؤال المركزي الذي ذكره جبرائيل في مركز تصريحاته، على خلفية عدم وجود أجوبة لأسئلة مثل “طبيعة الحياة المشتركة للإسرائيليين والفلسطينيين مستقبلًا؛ السؤال الذي يشكل تحديًا لإسرائيل من ناحية الأمن والقيم”، وواصل حديثه مشيرًا إلى البعض في المجتمع الإسرائيلي ممّن لا يعتقدون بأن هذا تحديًا مُلحًا، ويرون أنه يمكن إدارة الوضع الراهن والحفاظ عليه “كيف تريدون ان يبدو مستقبل إسرائيل؟ هل هناك من هو مستعد لدفع ثمن استمرار الضم أو واقع الدولة الواحدة مع حقوق غير متساوية لمواطنيها أو دولة واحدة ديمقراطية من البحر إلى النهر؟”، هذه التصريحات لا تعتبر شاذة بالنسبة إلى شخصيات تابعة للحكومة الألمانية. هل يعني ذلك أن سلوك إسرائيل إزاء القضية الفلسطينية (سياسة التقدم نحو حل الدولتين) قد يتحول لحجر أساس من ناحية ألمانيا على تعزيز العلاقات الثنائية؟

بالمختصر، لولا ذكرى المحرقة لما تطورت العلاقات الألمانية – الإسرائيلية لتصبح علاقات متفردة، المحرقة كانت العنصر المركزي الذي بُنيت عليه العلاقات، ومع ذلك مكانة الذكرى في منظومة الاعتبارات الألمانية فيما يتعلق بالسياسات تجاه إسرائيل آخذة في التراجع، للعديد من الأسباب وأبرزها الابتعاد عن زمن المحرقة، وكذلك تغير الأجيال. تحديد اتجاهات أساسية – ترتكز على أساس هوية المصالح المشتركة – ستتحول لعامل مساعد من ناحية ألمانيا. بجانب المصالح المشتركة، تظهر فجوات تتعلق بتقييم التهديدات والتعامل معها، لكن هناك علامات استفهام حول فرص تحقق شراكة استراتيجية بين البلدين.

كلما تحولت العلاقات لعلاقات طبيعية أكثر كلما ازدادت الفجوة، وهذه عملية لا يمكن الرجوع فيها، وفي إطارها يصبح حل الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني بمثابة عامل يقلل من التوتر ويسمح بتعزيز العلاقات الطبيعية بين البلدين.