البدائية السياسية وتجديد الوعد بالحكم

أضيف بتاريخ: 11 - 08 - 2016

تتلخص البدائية السياسية في تونس، وهي أيضا هشاشة مبدئية وقووية فادحة وتحيل على العقول، تتلخص في الجدل الدائر حول رئيس الحكومة الجديد، سنبين فيما بعد أنه لن يكون رئيس حكومة، جدل يوحي بأن هذا التعيين مفاجئ وأن سيرة المعني بالأمر اكتشاف في حين أن الكارثة في كل الحالات في بيت الحكم وبرنامج الحكم ومن يحكم معا.

الحقيقة غير ذلك، لأن هذا التعيين كان معلوما ومتداولا ولم يكن أحد من الذين شاركوا فيما يسمى وثيقة قرطاج الوهمية على غير علم به وهو ما ينطبق أيضا على الذين لم يشاركوا. لم نقل طبعا إنهم كانوا يوافقون على ذلك ولم نقل إنه تم لهم تأكيد ذلك.

وفيما يتعلق بشخص المعين فمعلوم شغله مع الأمريكيين، وهنا أسوأ ما في هذه البدائية بمعنى أن ما كان بشكل فعلي يعارض تعيينه كان عليه أن يبني إستراتيجية مضادة متزامنة حتى لا نقول استباقية، وهنا الفضيحة الكبرى ومفادها أن سفير أميركا نفسه المدعو روبنشتاين هو أسوأ سفير على الإطلاق في تاريخ تونس وهو أكبر من خرب العالم العربي ولم يستجب أحد لطلب الاحتجاج عليه ولا على حج الأغلبية الساحقة إليه فيما بعد صفوفا صفوفا دون مبالغة. اما هذا الشخص المعين الآن فهو وزير أصلا في الحكومة التي سوف تغادر ومنذ وقت طويل أكثر من مرة. وعلينا هنا أن نتذكر فقط تعيين وزير الخارجية الذي كان يعمل لنظام الرئيس المهرب إلى السعودية من طرف الأمريكيين لسنوات في تل أبيب بالذات وهو نفسه الذي استحال إسقاطه من قصر قرطاج لما كان مستشارا للسبسي وجهدت فئة قليلة من أجل ذلك وهو نفسه الذي تم تمريره في حكومة السبسي وجهدت كذلك دون جدوى فئة قليلة.

ما قبل الإعلان عن التغيير الحكومي (بعض ما حدث في شهر جويلية/ تموز المنقضي):

بعد صولات كريستين لاغارد المتتالية في تونس وبعد جولات ممثلين عن الصناديق الدولية كان هنالك مناخ قار من جهوزية نظام الحكم لفعل أي شيء يتم له به تجديد الوعد بالحكم.

نقف فقط على أربعة أشياء دون تحليل ولا تأويل:

1- أوصت لجنة الشؤون الخارجية بالبرلمان الاوروبي، بالاسراع في تنفيذ المخطط التونسي للتنمية 2016/2020 ، والذي وصفته “بمخطط مارشال حقيقي”. هذا واقترحت المفوضية الاوروبية تقديم مساعدة مالية لتونس بقيمة 500 مليون أورو مع التوصية بالاسراع في تنفيذ المخطط المذكور.

2- أعلن ينس ستولتينبرغ السكرتير العام لحلف شمال الأطلسي أن الناتو يعمل على دعم الهيئات الأمنية المختصة المحلية في تونس من خلال مركز استخباراتي مقام في هذا البلد. قال ذلك في مؤتمر صحفي عقد بعد دورة العمل الأخيرة لقمة الناتو في وارسو يوم السبت 9 جويلية/تموز.

3- توجه محافظ البنك المركزي ووزير المالية بوثيقة النوايا سيئة الذكر إلى مؤسسة النقد الدولي.

4- استقبل رئيس الجمهورية وفدا من الكونغرس الأميركي.

5- استقبل رئيس الجمهورية وزير الدفاع السعودي.

التغيير الحكومي:

يتلخص في برنامج أولويات حكومة الشيوخ والصبيان. وبصرف النظر عن الاستحقاقات الدستورية والقانونية والسياسية وبقطع النظر عن الظرف الإقليمي والدولي، هل سيسترجعون حقوق التونسيين من القتلة والنهابين مثلا؟ هل سيحاربون الفقر والتمييز؟ هل سيحققون انماء زراعيا وتطويرا تصنيعيا واكتفاء طاقيا؟ هل سيخفضون الديون والبطالة؟ هل سيفصلون تونس عن مصنعي الإرهاب؟

برنامج النقاط العشر معروف وبرنامج ال17 نقطة معروف. وما يريده المانحون أي النهابون معروف ببنوكه وعصاباته ودوله ومجلس أمنه وأممه المتحدة…إلخ. ولذا، لا نريد إثارة الغثيان بالتحذلق التحليلي والثرثرة الزائدة.

ولذلك نؤكد بشكل قطعي ونراهن على الضمير والوعي إذا استفاق إنهم سيكونون فريقا  مضادا لمصالح تونس والتونسيين على رأسهم رئيس مستشارين أو مستشار أول للرئيس في حكومة الرئيس، رئيس تصريف أعمال المستعمر حتى موجة الفوضى أو الثورة.

سيجعلون الفقر أكثر شفافية. سيجعلون الفساد أكثر تشاركية. سيجعلون الإرهاب أكثر أريحية. سيجعلون النهابين أكثر رفاهية. سيجعلون الاستعمار أكثر انتفاعية. سيجعلون الجرائم اكثر توزيعية. سيجعلون الشعب أكثر انتقامية. سيجعلون تونس أكثر تبعية. سيجعلون مقدرات البلد أكثر ارتهانية. سيجعلون المحاصصة أكثر توافقية. سيجعلون التوافق أكثر ديمقراطية. سيجعلون الديمقراطية أكثر وحشية. سيجعلون السعودية أكثر عربية. سيجعلون فلسطين أكثر تطبيعية. سيجعلون صبيان القصور أكثر وطنية. سيجعلون صبيان الفنادق أكثر كفائية.

ومع ذلك لن نقول إنهم أطلقوا علينا صبيان قصور لا يعملون إلا بحراسة جيش احتلال. لن نقول إنهم أطلقوا علينا صبيان فنادق لا يشتغلون إلا ضمن شبكات المافيا. هم عملاء نجباء في خدمة الإجرام والاستعمار. سنقول فقط هنيئا لشعبنا.

ما بعد الإعلان عن التغيير الحكومي:

سنعيد هنا بنفس العبارات ما نشرناه يوم 8 سبتمبر/ايلول 2015 تحت عنوان: ” مظاهرات الطوارئ مقاومة للهجوم الإرهابي الذي تقوده المفخّخة كريستين لاغارد: لتكن سنة ‘عَشْرًا ضد عَشْر” :

المظاهرات السياسية، وهذا تقدير توقعي، ستكون ضرورة طارئة في تونس لمقاومة القاطرة العشرية المفخخة التي يقودها صندوق النقد الدولي والمتمثلة فيما يسمى الإصلاحات العشر المفروضة على تونس، وهي بلا شك من أفظع العمليات الإرهابية على الإطلاق. لا يعني، حتى لا يزايد علينا فراخ النظام، أننا لا نرى خيوط النسيج المتشابكة بين حكم الإرهاب والعامل الإرهابي وتركيبة وسياسات الإرهاب.

الكل يعلم أن تعهدات منصب الرئيس وتعهدات منصب رئيس الحكومة زائد تعهدات منصب مدير البنك المركزي ومنصب وزير المالية ومنصب وزير الداخلية تهديد وحشي وخطير على مستقبل تونس وشعب تونس، والكل يعلم أيضا أنهم ومن داخل المنظومات المالية والأمنية والإعلامية يستهدفون أغلبية التونسيين بما في ذلك الأجيال القادمة، ويستهدفون كل ملتزم بالإطاحة بهم وسوف يستهدفوننا بشراسة أكثر.

عاصفة القمع والطغيان قادمة ومن ورائها عاصفة التفقير والتخريب والإجرام. وبالمقابل يحتاج ذلك صدورا عارية وأنفاسا طويلة جدا لتغطية أشهر من النضال لإسقاط برامجهم خَمسا ضد خمس وعَشرا ضد عَشر وما يترتّب ضرورة عن ذلك من تقلّبات وتغيرات وتضحيات، فلا تسقطوا حق التظاهر لأجل عيون كريستين لاغارد.

صلاح الداودي – نشر في شاهد نيوز بتاريخ  03 أوت 2016