حكومة سيادة وطنية ام حكومة حماية أجنبية؟

أضيف بتاريخ: 11 - 08 - 2016

تابعنا يوم أمس الجلسة البرلمانية الخاصة بسحب الثقة من الحكومة الحالية التي تحولت بموجب ذلك السحب إلى حكومة تصريف أعمال إلى حين تشكيل حكومة أخرى. هي بالطبع والعادة والأسباب العميقة لهذا التغيير المرتقب، وهو تغيير إسمي وحسب، ستصرف شؤون الفاسدين في الأعمال والسياسة في إطار إدارة شؤون الإستعمار مثلها مثل الحكومات التي سبقتها كيفما كان طابعها وشكلها وتركيبتها وصيغتها وهيكليتها وطبيعتها وماهيتها، لا سيما وأن الحكومات المتعددة التي عايشناها، صيغت وتهيكلت خارج الإرادة التونسية ولغير مصلحة تونس وكانت بطابع عام غير وطني وانطبعت وعبرت عن ماهية الحاقية حمايوية واتخذت شكلا مفارقا لهموم الشعب وتركبت من حاملي حقائب من الغرابة وعدم الانسجام مع متطلبات الشعب والوطن ما يجعلنا ننتهي إلى هذا الرأي الواقعي ومضمونه:  لن يتغير شيء إلا باتجاه الأسوأ. هذا من الناحية السياسية والانتماءية بسبر أفعال واهواء تلك المجاميع التي حكمت لتسيير مغانم انتفاعية لتونسيين بالجنسية فاسدين ومفسدين، ناهيك عن شبكات الارتباط الحكومي وشبه الحكومي والخاص التي بلغت مبلغ الحكم بالإرهاب والفساد والتدخل الاستعماري المباشر في الأمن والإقتصاد والعلاقات الدولية الخارجية على وجه التحديد في عدة مناسبات وفي عدة ملفات وبلغت مبلغا كبيرا من الفضاءحية، ومع ذلك لم تسقط بقرار انتفاضي يفرض توجهات أخرى. وبالتالي، لا سبيل إلى إطلاق أي حكم شمولي قطعي وإنما مجرد إحصاء الأعمال الحكومية المعادية للوطن والشعب والمحيط والعمق الاقليميين ليشهد لوحده على ذلك.

يوم أمس، تداول النواب على الكلمة في إجتماع عادي تحت قبة البرلمان ولم يكلفوا أحدا الوقوف تحت نيران الشموس لابلاغ أي رسالة كانت. جيد جدا. فهم مضطرون إلى ذلك والاجتماع بالنهاية ليس اجتماعهم فهم جزء من المجلس مفروض على الآخرين بالانتخاب الشعبي ولا أحد يستطيع الغاءهم، ولكن ماذا عساهم يفعلون، يتغيبون مثلا لافراغ المسرحية من محتواها ام يستغلون الفرصة ويحشدون ما أمكن من المعنيين بالأمر لتبليغ رأي إلى الشعب المبعد المقعد وإلى العالم الذي يعتقد حتى الآن أنه يوجد في تونس ما يسمى ثورة وما يسمى نموذج انتقالي ناجح في حين أن أميركا ومن ورائها فشلوا في كل مكان من ليبيا والجزائر إلى مصر واليمن إلى العراق وسوريا ولم ينجحوا إلى حد الآن إلا في تونس.

في الواقع، بدا الأمر بالنسبة إلى الكتل البرلمانية سيان وربما كان عدم الحضور أفضل من ناحية إطلاق مسار سياسي معارض. هذا رأي تقديري تحليلي وليس بالضرورة رأيا سياسيا يخصنا. لنتجاوز.

قالوا، ونقصد ههنا ما نسميه المعارضة المقهورة وهي كتلة الجبهة الشعبية، قالوا ما يجب أن يقال أمام الإعلام لمنافس سياسي ليس الحبيب الصيد رئيس الحكومة أصلا . ولكن لم يقولوا ما يجب أن يقال أمام الشعب لعدو الشعب المافيوزي الإجرامي والاستعماري الدولي الذي يقف وراء الحكم ومن العبث أن يفصح عنه الحاكم.

السؤال الآن: ما هي فرص وأدوات مواجهة تعيين الحكومة الجديدة إسقاطها والكل يعلم أنها ستأتي بفاسدين خدم لمنظومة استعمار، على الأقل إسقاط بعض من وزرائها وجزء من سياساتها، سياسات الافسادات العشرة.

ومن أجل أن يكون رأينا واضحا وحتى لا يلتبس الأمر على أحد، لا بد من توضيح أننا ذكرنا الجبهة الشعبية ولم نذكر جبهة جبهات المعارضة المأمولة لأن كتلة الجبهة هي الكتلة الأصيلة في المعارضة وهي الكتلة المستميتة على التغيير بما قدر لها من إمكانيات.

وحتى يكون الأمر أكثر وضوحا سيظل المطلوب بداية حسب رأينا:

1- التقدم إلى المجلس وإلى الشعب  بمشروع قانون محاسبة انتقالي واستثنائي جزائي ومالي وإقتصادي متفق على اجراءاته القانونية وعلى سلامته الدستورية بالنظر إلى الهيئات المختصة الموجودة وعمل كل ما يجب عمله من أجل ذلك شعبيا وسياسيا بما في ذلك كل الخيارات المتاحة في إطار المبادرة التشريعية والتلويح بالانتفاض والاستفتاء بصرف النظر عن اتاحته والانسحاب التام من  البرلمان إلى حين التصحيح أو إعادة الانتخاب.

2- التقدم بملفات جرائم إلى القضاء المختص بمن ثبت تورطهم قبل وبعد 2011 من كل المؤسسات والقطاعات والمجاهرة باتخاذ السبل التشريعية والشعبية لاستصدار ما يبعد الفئة المافيوزية من رجال الأعمال عن العمل السياسي.

3- الطعن في كل التشريعات و السياسات  التي تتناقص مع المضمون الوطني للدستور التونسي من أجل ابطالها بأي طريقة.

4- الدخول في إجراءات شكلية لابلاغ الناس معنى سحب الثقة من الائتلاف الحاكم ومن مؤسسة الرئاسة ورئاسة البرلمان ورؤساء كتله ولجانه وبعض النواب وإشعار عامة الشعب بضرورة التفكير في حجب الثقة عن نظام الحكم.

5- الشروع في إعداد الرأي العام لضرورة التعديل الدستوري الذي يحسم في قضايا السيادة الأمنية والإقتصادية وفي قضايا التطبيع والتجويع بمبادئ فوق دستورية أو بفصول جديدة حتى ندخل حياة وطنية وسياسية جديدة يكون الهدف منها البناء والانماء لا الإستمرار في قبضة الإستعمار.

6- اشعار المؤسسات الدولية والإدارات الغربية والخليجية برفع اليد عن تونس والكف عن ارتكاب الجرائم الإرهابية والقتل الإقتصادي والاغتيال التنموي والحيوي لشعب تونس عن طريق الحملات الشعبية والحملات الإعلامية والحملات الدولية والعمل الديبلوماسي مع الحلفاء والشركاء المحتملين والمراسلات المباشرة.

7- التقدم إلى المحاكم  والهيئات الدولية لتبرئة الذمة أمام الشعب ولرفع مستوى تاهبه الوطني الاستقلالي بغاية رفض الهيمنة الاستعمارية الإستثمارية والاستتباعية ورفض التآمر على التونسيبن ورهن قرارهم ومصيرهم من خلال أدوات البنوك والتجمعات الإقتصادية والدول وسياساتها الخارجية والسرية وعن طريق شبكات المرتزقة والعملاء المحليين.

8- الإستعداد لانتفاضة وطنية واضحة المعالم تنقلنا نحو جمهورية ثالثة لا إقصاء فيها إلا لمن يعترض على مبادىء السيادة الوطنية العليا والاستقلال الوطني العميق والديمقراطية المعمقة مع تحمل ما يستحقه ذلك من بذل وتضحيات وما يولده من عدوان اعتراضي وحراك إجرامي مضاد.

وحتى لا يعمر الإستعمار متعدد الأقطاب بنفس الصيغة ونفس الكوارث الإنسانية والوطنية على شعب تونس، وحتى لا يستدام وجود هذا الرهط من الحاكمين بفوضى الارتباط بكل جهة دولية أو محلية تضمن مصالحهم الرخيصة حتى 2030 على الأقل حسب ما رسمته البنوك الدولية وقوى الإستعمار، وجب علينا تنبيه الناس إلى ما يلي:

1- أن دور أي حكومة وأي معارضة هو إنجاز مهمات وطنية وتوفير ضمانات وطنية تحفظ حياة الناس وسلامة الوطن والسيادة على المقدرات والمصير ورفع البلد إلى مستوى تموقع استراتيجي محترم تطويرا وتقريرا.

2- أن أي حكم وأي معارضة لا تعبر عن عقيدة إستراتيجية واضحة ومعلنة لن تكون إلا مسوغا للاعتداء والعدوان على الوطن والشعب والمحيط والعمق.

3- أن ما تغير عنه  بالفشل الرؤيوي لكل من حكم هو نتيجة واضحة لما نسميه العماء الإستراتيجي.

4- أن الخارطة الجيوسياسية لتونس مهددة عميقا بالاستحواذ السري والعلني العميق على خيارات المستقبل في كل مجالات الإنتاج والإستثمار ومهددة دوما بالانفصال عن محيطها وعمقها الاقليميين كما هو الحال راهنا.

5- إن غياب خريطة جيوستراتيجية متماسكة بما فيها من حضور  مجالي وفضاءي وعسكري وطاقي ومن تخطيطات جيوعسكرية وجيو-اقتصادية وجيومالية بالأحرى، لإدارة الوطن وإدارة السيادة وادراة السياسة وإدارة الديمقراطية، سيشكل على الدوام، إذا لم يتم تداركه، باب التفقير والتجهيل والتهجير والتهرب والتهريب والارهاب والعبودية والتبعية والتطبيع والإذلال والانتداب.

وفي ظل حرب السيادات وحرب الإستراتيجيات الفظيعة الجارية هذه، نقول لشعبنا المعدم المسحوق، انهض وواجه لتبقى وتحيا حياة الكرام. وإن مت تموت موت العظام.

صلاح الداودي – نشر في رأي اليوم بتاريخ  01 أوت 2016