تسارع الاعمال الإسرائيلية لبناء العائق في غزة يضع حماس أمام مفارقة صعبة

أضيف بتاريخ: 08 - 05 - 2017

يوسي ملمان
 معاريف:

في يوم الاحد الماضي التقى أكثر من عشرة رجال في “تل الحب”، وهو تل في شمال غرب سدروت المطلة على غزة. أثناء الحروب يجذب هذا التل الفضوليين الذين يأتون لرؤية القصف وأعمدة الدخان. ولكن في هذه المرة جاء الرجال من اجل الحصول على الارشاد من ضابط في الجيش، يعمل في وزارة الدفاع المسؤولة عن اقامة الجدار أو العائق على الحدود مع القطاع.
وُجد هناك معظم ممثلو الشركات الكبرى في اسرائيل التي تختص بتعبيد الطرق والبنى التحتية الهندسية. وجاء ايضا ممثلو “تار آرما” و”غيلي” و”يوئيل عزاريا” و”اوليتسكي” و”دافيد شاحر” وغيرهم. وقد توقعوا سماع التفاصيل، لكن الضابط اكتفى بعدد من الايضاحات وأشار الى المنطقة وقال إن جميع التفاصيل المطلوبة توجد في كتاب العطاء. وسعر كراسة العطاء 5 آلاف شيكل. معظم الشركات، إن لم يكن جميعها، قامت بشراء الكتاب من اجل تقديم اقتراح العطاء، والموعد النهائي هو 8 أيار.
تُدير العطاء ادارة خاصة مشتركة بين وزارة الدفاع والجيش الاسرائيلي، وعلى رأسها العقيد عيرن اوفير. ويسجل له ولاسلافه في الادارة الفضل في اقامة الجدران الكبيرة المسلحة بالتكنولوجيا المتقدمة من الكاميرات والمجسات على طول الحدود الاسرائيلية: 200 كم من الحدود مع مصر في سيناء، 90 كم من الحدود مع سوريا في هضبة الجولان، عشرات الكيلومترات من الحدود على حدود لبنان، 30 كم من الحدود مع الاردن، من شمال ايلات وحتى المطار الجديد في تمناع، وحوالي 460 كم في جدار الفصل في الضفة الغربية، بما في ذلك في القدس. طول الحدود مع قطاع غزة أكثر من 65 كم.
الحديث يدور عن اكبر المشاريع الهندسية التي عرفتها اسرائيل، وتبلغ تكلفة نحو 3 مليارات شيكل. والهدف الرئيس منه هو منع حماس من حفر الانفاق للدخول الى اسرائيل. بسبب المشكلات والتحديات الهندسية والتكنولوجية التي تحتاج الى المعرفة والى الوسائل الثقيلة غير الموجودة في اسرائيل، فان معظم الشركات التي ستتقدم للعطاء اقامت علاقة شراكة مع شركات صينية واسترالية وكورية جنوبية وفرنسية.
اقامة العائق في غزة يتم على مراحل، ويتوقع أن ينتهي بعد سنتين. في العطاء الاول فازت شركات سوليل بونيه ودانيا سيبوس التي تعمل على مساحة تبلغ عدة كيلومترات، ارضها رملية والحفر فيها سهل بشكل نسبي. العطاء الجديد هو لقطعتين باسم أ و ب على طول عدد من الكيلومترات. الارض في القطعتين أصعب على الحفر، وفي السياق سيتم الاعلان عن عطاءات اخرى لاستكمال احاطة قطاع غزة بالعائق.
سيكون العائق الهندسي التكنولوجي استثنائيا على مستوى العالم. وسيشمل جدار من الاسمنت والحديد الذي سيوضع على عمق عشرات الامتار، وتتصل معه مجسات للانذار من أي تغيير داخل الارض. تصميم الاجهزة التكنولوجية هو من مسؤولية البيت وشركة اخرى. ورغم الفحص الذي أجري، ليس من الواضح بعد الى أي درجة ستكون هذه الاجهزة دقيقة، واذا كانت ستوفر الحل المرجو.
فوق الارض سيتم بناء جدار تكنولوجي مثل الذي يوجد على الحدود مع مصر بارتفاع 8 أمتار مع مجسات وكاميرات. وعلى طول الحدود ايضا ستتم اقامة مواقع رقابة وسيطرة مرتبطة مع بعضها من خلال مركز سيطرة في أحد المواقع العسكرية في الجنوب.
لقد تم القول للمشاركين في الجولة بأنه يمكنهم تشغيل العمال الاسرائيليون والاجانب، لكن لا يمكنهم تشغيل العمال الفلسطينيون من الضفة الغربية. الاعمال التي بدأت بشكل بطيء ستتسارع في الصيف القادم، وسيتم تشغيل مئات وآلاف العمال في بناء العائق، وكذلك مدراء العمل والمهندسين وكثير من الأدوات: الجرافات والحفارات واجهزة القدح والشاحنات. وكل تلك ستكون بحماية الجيش الاسرائيلي.
هناك خشية من أن هذا التركيز الكبير للاشخاص والوسائل الهندسية سيؤدي الى قيام حماس بالرد. واذا حدث هذا فسيكون السبب بالنسبة لحماس اكثر جوهرية. فهي تعرف أنه اذا استكملت اسرائيل مشروع العائق فانها ستفقد اداة من الادوات الاستراتيجية الهامة، الانفاق الهجومية. واثناء عملية الجرف الصامد اعلن الجيش الاسرائيلي عن اكتشاف وتدمير 31 نفق يصل الى اسرائيل. ومؤخرا في استعراض أمام لجنة الخارجية والامن التابعة للكنيست، قال رئيس الاركان غادي آيزنكوت إنه حسب تقدير الجيش الاسرائيلي، حماس حفرت منذ الحرب 15 نفق نحو اسرائيل.
تحاول اسرائيل قبل وضع العائق التعرف على الانفاق من خلال الاستخبارات الدقيقة والادوات التكنولوجية. لقد استغلت الفرص عندما قامت المنظمات غير المنصاعة باطلاق الصواريخ على اسرائيل من اجل القصف الكثيف من الجو على أمل تدمير الانفاق.
الهدوء الكبير
استعداد اسرائيل الكثيف لتهديد الانفاق يضع حماس أمام مفارقة صعبة. هل تبذل الجهد لمنع بناء العائق والتعرض لرد شديد من اسرائيل يؤدي الى حرب شاملة تنتهي باسقاط حماس، أو عدم الرد والادراك ان المواجهة المستقبلية ستجعل من الصعب على الذراع العسكري حفر الانفاق والتسلل الى اسرائيل دون الانكشاف.
حسب التقديرات لم تتخذ حماس بعد القرار حول كيفية التصرف. واسرائيل لا تعرف ايضا ماذا سيحدث. هناك من يرون السواد من صحافيين ومحللين ووزراء، وعلى رأسهم وزير الاسكان والبناء يوآف غالنت ووزير التعليم نفتالي بينيت، الذين دقوا طبول الحرب وقالوا إنها ستنشب في الصيف.
وهناك آخرون، بمن فيهم كاتب هذه السطور، يعتقدون أن حماس ستبتلع حبة الدواء المرة. وكثيرون في الجيش الاسرائيلي وفي الاستخبارات وفي الاجهزة الامنية يعتقدون ذلك، رغم أن التقديرات الاساسية هي أن أي حادثة صغيرة مع غزة، وبدون صلة مع اقامة العائق، يمكن أن تخرج عن السيطرة وتتطور الى مواجهة عسكرية واسعة وصولا الى الحرب.
نحن نقترب من مرور ثلاث سنوات على الحرب الاخيرة. وطوال هذه الفترة حذر من يرون السواد من أن الحرب على الابواب. وفي كل يوم يخيب أملهم. اسرائيل تعرف الآن فترة الهدوء الاطول في غزة منذ 1968. واولئك الذين يقومون بتخويف الجمهور هم الذين حذروا بعد حرب لبنان الثانية. وها هي 11 سنة مرت وسيناريو الرعب في الشمال لم يتحقق، الهدوء مع حزب الله يصمد وهم يستفيدون من ذاكرة الجمهور القصيرة، حيث نسي تحليلاتهم ومن الذي قالها ومتى.
هناك عدة اسباب للهدوء في غزة. اولا، الردع الاسرائيلي. حماس تلتزم بوقف اطلاق النار وهي تبذل الجهود الكبيرة لمنع التنظيمات غير المنصاعة من اطلاق الصواريخ، أو اعتقال المسؤولين في حالة اطلاقها. حماس تخشى جدا من الحرب القادمة، وقادتها يعتقدون أن المنظمة كلها ستكون هدفا للهجمات الاسرائيلية. ايضا التغيير الحاصل في المنظمة مؤخرا، منذ انتخاب يحيى السنوار لرئاسة حماس في غزة، يخفف على اسرائيل. السنوار هو من الذراع العسكري، والفصل بين الذراع السياسي والعسكري آخذ في التلاشي.
سبب آخر هو صعوبات حماس في تحسين قدرتها العسكرية. إن حفر الانفاق لا يتقدم مثلما يرغبون في غزة، واقامة العائق هو مثابة ظل اسود مهدد. بسبب سياسة الحصار المصري تراجعت عمليات تهريب السلاح عن طريق الانفاق في سيناء. ويمكن القول إن حماس قد نجحت في العودة الى كمية السلاح التي كانت لديها عشية الحرب، لكن اغلبية هذا السلاح هو من صنع محلي وجودته متدنية.
العزلة الدولية تصعب على حماس ايضا، لا يوجد لها من يدعمها، وحسب تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية ما زالت ايران تقدم الاموال بمبلغ 60 – 70 مليون دولار كل سنة. ولكن بسبب تدخلها في الحرب في سوريا واليمن، مع حزب الله، فان مصادرها محدودة.
الصدع بين حماس ومصر كبير، بسبب علاقة الذراع العسكري مع داعش في سيناء. جميع محاولات المصالحة لم تنجح حتى الآن. تركيا تدعم عدة مشاريع لحماس في غزة. وقطر التي تدفع مئات ملايين الدولارات لاصلاح البنى التحتية في القطاع بقيت. الرقابة على الاموال من قبل اسرائيل ناجعة، لكنها غير كافية.
الصراع بين الذراع العسكري والسياسي في حماس يسهم في اضعاف المنظمة ايضا. وفوق كل ذلك هناك الانقسام الذي يجد صعوبة في التلاشي بين حماس وم.ت.ف والسلطة الفلسطينية.
حتى الجولة القادمة
لقد نشر في هذا الاسبوع ميثاق حماس المعدل. والبند الهام هو الموافقة على اقامة دولة فلسطينية في حدود 1967، لكن حماس ما زالت ترفض الاعتراف بدولة اسرائيل وبحق الشعب اليهودي في تقرير المصير. وما زالت تعتبر أن كل المناطق التي توجد بين البحر والنهر هي وقف اسلامي تعود للشعب الفلسطيني المسلم. وهي ترفض ايضا الاعتراف بالاتفاقيات المرحلية بين اسرائيل والفلسطينيين – وهذا شرط مسبق للمجتمع الدولي كي يتفاوض معها.
لا شك أن ميثاق حماس الجديد هو خطوة نوعية بالنسبة لها، وقد قال مشعل إنه تمت صياغته قبل اربع سنوات، لكن بالنسبة لاسرائيل هذه الخطوة غير كافية، فهي قليلة ومتأخرة ولا تعمل على تغيير الواقع.
من هذه الناحية يذكر سلوك حماس بسلوك م.ت.ف قبل ثلاثين سنة، حيث رفضت المنظمة تغيير ميثاقها لسنوات طويلة ورفضت الاعتراف باسرائيل والتفاوض معها. وعندما حدث ذلك تم التوقيع على اتفاق اوسلو وبدأت العملية السلمية في 1993 – 1994، التي احترقت بنار الانتفاضة الثانية.
في ظل غياب الفرصة للحل السياسي والطريق المسدود أمام مبادرة اقتصادية، ستستمر غزة في كونها قنبلة موقوتة، وستستمر اسرائيل في تقديم البضائع للقطاع (900 شاحنة يوميا)، الامر الذي يمنع سكان القطاع من الموت جوعا. ولكن الى متى؟ حتى الجولة القادمة التي ستندلع آجلا أم عاجلا على خلفية الضائقة الاقتصادية والحصار، هذه الخلفية التي كانت من العوامل المسرعة للحرب في صيف 2014.